تفاهم السعودية وإيران.. خطوة بـ"طريق الألف ميل" والعين على "التنفيذ"
"يسهم الاتفاق السعودي الإيراني في شكل من التهدئة تتيح حلحلة الملفات تدريجيا من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق"، هذه الاستنتاجات هي تلخيص لقراءة خبراء في الشأن السياسي، لتأثير وتداعيات استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.
ويشير الخبراء في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الخطوة المقبلة المطلوبة من إيران هي إثبات حسن النوايا، واتخاذ إجراءات لبناء الثقة بحيث تترجم هذه الخطوة سياسات واقعية وعملية على الأرض.
ويرى هؤلاء الخبراء أن طهران "ستقدم تنازلات في بعض الملفات الخاصة بلبنان وسوريا، لكنها لن تقدم تنازلات بنفس الدرجة في اليمن والملف النووي".
وبعد 7 سنوات من إعلان السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، توصل البلدان، الجمعة، إلى اتفاق، برعاية صينية، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
ويتضمن الاتفاق "تأكيد الجانبان على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
واتفق الجانبان على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
"تهدئة"
وفي قراءته لتأثير وتداعيات هذا الإعلان، يقول المحلل السياسي اللبناني وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، الدكتور خطار أبو دياب، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية": "يتوقع أن يعكس هذا التفاهم نوعا من التهدئة تتيح حلحلة الملفات تدريجيا من اليمن للعراق لسوريا للبنان".
وفي الشأن اللبناني، تحدث أبو دياب عن إمكانية وجود تأثير للتفاهم السعودي الإيراني على حلحلة أزمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، بعد فشل القوى السياسية في انتخاب رئيس جديد للبلاد الممتد خلال الـ5 أشهر الماضية.
ويبين أبو دياب: "بتقديري أنه إذا تعاملت إيران بروح جديدة في الإقليم، فمن الممكن أن ينعكس ذلك إيجابا، ويسمح بإيجاد حل وسط في لبنان، وانتخاب رئيس جديد للبلاد".
هنا، لم يستبعد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس، أن يتم القبول بمرشح رئاسي بعيد عن حزب الله، ولا يكون في الوقت ذاته محل اعتراض من الأخير، ويمكن أن يكون المرشح قادرا على أن يكون همزة وصل بين الأطراف.
ودلل على ذلك بأن "حزب الله ليس في الموقع الذي يأمل فيه أن يفرض رأيه كما جرى في عام 2016، ولا يمتلك الأكثرية في البرلمان التي يمكن أن تساعده على فرض رأيه".
أبو دياب ينبه إلى أن "التفاهم بين السعودية وإيران لم يتطرق للملفات الإقليمية خلال المحادثات مع الصين، لكن هناك ما يسمى روح التفاهمات ويبقى الأهم هو التطبيق، وألا تجذب إيران لبنان كرهينة، وألا تمنع إيران العراق من التنفس وألا تسيطر عبر مليشياتها على سوريا".
وشدد على أن إيران لن تتخلى عن مكاسبها الإقليمية بين ليلة وضحاها، والسعودية لن تتخلى عن خياراتها بين ليلة وضحاها.
لذلك، فإن التفاهم هو خطوة أولى على درب الألف ميل، مع تقدير "أبو دياب" في الوقت ذاته بأن الخطوة "ستكون إيجابية إذا ما اقترنت بالتنفيذ".
ومضى متابعا: "يقضي التفاهم بين الرياض وطهران بوقف التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادات الدولة، لذلك سيتوقف الأمر على مدى احترام إيران لهذا الأمر كما قالت الولايات المتحدة".
الدور الصيني
وحول الدور الصيني في المنطقة في ظل رعايتها للتفاهم، قال أبو دياب إن بكين انتزعت هذا التفاهم، وأثبتت دورا إقليميا جديدا في المنطقة، بينما كانت أمريكا تخطط لترك المنطقة نحو أسيا والمحيط الهادي والهندي".
بدوره، قال أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية تعد عاملا مهما جدا في تهدئة الصراعات وحل الأزمات في المنطقة لكنها مجرد بداية جيدة، ولا تعني أن كل شيء تم حله".
"هذه بداية جيدة ستتوقف وصولها لبر الأمان على قدرة البلدين على بناء حلول توازن بين مصالحهما، وعدم ممانعة الأطراف المحلية وعدم قدرتها على تخريب جهود التسوية"، يتابع يوسف، الذي يرى أن نجاح التفاهم السعودي الإيراني في حلحلة أزمات المنطقة يعتمد أساسا على متغيرات إقليمية، والأطراف الداخلية في الدول محل الصراع والنزاع.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير السياسي البارز: "من حيث المبدأ، فإن عودة العلاقات السعودية الإيرانية تنعكس بالإيجاب على تسوية الصراعات العربية، وفي مقدمتها الشغور الرئاسي في لبنان، وأيضا القضية السورية وعودتها لمحيطها العربي، لكن المسألة ليست بسيطة".
ويلمح يوسف إلى أن إعادة العلاقات بين طهران والرياض، جاءت بعد أيام قليلة من تصريح لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بأن زيادة التواصل مع سوريا قد تمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية بعد عزلة تجاوزت 10 سنوات.
وذلك بالتوازي مع تصريحات رسمية إيرانية ترحب بعودة سوريا، على أمل أن تكون العودة بمثابة اعتراف بأن العلاقات العربية الإيرانية أمر مشروع ومقبول.
ويبرز أستاذ العلوم السياسية، أن التقارب السعودي الإيراني، "يعقد خطط إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية لطهران، ويسهم في تخفيف حدة الضغوط على الأخيرة بسبب الملف النووي".
"ليس تحولا تاريخيا"
وفي قراءة تتفق مع يوسف وأبودياب، ذهب بشير عبد الفتاح الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن "هناك تقدما إيجابيا بالفعل، لكنه ليس تحولا تاريخيا، لأن العلاقات كانت موجودة من الأساس بشكل أو بآخر".
ويفسر: "نعم سيسهم التقارب السعودي الإيراني في توفير قنوات للحوار بين إيران والسعودية في كل الملفات الخلافية، لكن وجود هذه القنوات ليس معناه الوصول للنتائج المرضية، بدليل أن المفاوضات بين البلدين كانت موجودة قبل سنوات، ولم تكن مجدية بشكل كبير".
ويلفت في هذا الصدد النظر إلى أن هناك مخاوف ما زالت قائمة من الأذرع الولائية المسلحة لإيران؛ في اليمن وسوريا والعراق وأفريقيا، ومدى إمكانية أن يفضي التقارب مع السعودية إلى لجم تلك الأذرع ومنعها من زعزعة استقرار وأمن الدول.
ومضى موضحاً: "الاختبار الأول للتقارب الإيراني السعودي هو الساحة اللبنانية"، في تقدير عبد الفتاح، حيث إن "حلحلة ملف الشغور الرئاسي في لبنان هو بمثابة بادرة حسن نية من إيران، وقد يكون هذا أول اختبار لها".
وتابع "الحلحلة أقرب في الملف اللبناني كأولى الخطوات بعد إعلان عودة العلاقات، لا سيما وأن توازنات القوي في لبنان لا تعني أن الرئيس هو صاحب الأمر والنهي والقرار النهائي، أو تأثيره بشكل كبير على وضع حزب الله، بالعكس قد يقبل الأخير بتسوية ما مقابل أمور أخرى".
لكن الملف الصعب جدا، يتابع عبد الفتاح، هو اليمن، إذ إن "جماعة الحوثي هي الفصيل المسيطر على صنعاء، وإيران لن تتنازل في هذا الملف بسهولة، في ظل محاولات السيطرة من خلال ذراعها الحوثي على البحر الأحمر كنقطة ارتكاز مهمة والتحكم في أهم الممرات الدولية".
عودة سوريا
وحول الملف السوري وعودة دمشق للمحيط العربي، قال الخبير المصري إن "هناك انفتاحا عربيا على سوريا قبل إعلان التفاهم السعودي الإيراني، بدليل تصريح ووزير خارجية السعودية؛ لذلك فإن التفاهم لا شك سوف يعمل على تسهيل تلك الخطوة، لاسيما وأن الهدف من إعادة احتواء سوريا عربيا هو إبعاد إيران وتقليص هيمنتها على دمشق".
ويستطرد "عودة سوريا ليست بعيدة وهناك خطوات اتخذت في هذا الاتجاه".
عبد الفتاح قال أيضا: "إيران ستقدم تنازلات في بعض الملفات الخاصة بلبنان وسوريا، لكنها لن تقدم بنفس الدرجة ذلك في اليمن والملف النووي، وقد تلجأ لوضع عراقيل".
ويؤكد أن "الخطوة المقبلة من إيران هي إثبات حسن النوايا واتخاذ إجراءات لبناء الثقة بحيث تترجم هذه الخطوة لسياسات واقعية".
وفي السياق ذاته، قال عبد الفتاح إن التقارب السعودي الإيراني، "خطوة مهمة للطرف الإيراني؛ لتخفيف الأعباء الثقال عن كاهل النظام الحالي، حيث إنه محاصر داخليا بدائرة الاحتجاجات التي تتسع والضغوط الاقتصادية والتهديدات الإسرائيلية بعمل عسكري قريب ضدها، لهذا فالتقارب مع السعودي سيعمل على تخفيف الضغوط عليها، وهى في المقابل مطالبة بحركة انفتاح أكبر وصدق نوايا".
يخدم الإقليم
كما اعتبر محللان سياسيان أردنيان، أن الاتفاق السعودي الإيراني، تاريخيا وله أهمية كبرى إقليميا إن تم الالتزام به وبمواده.
وقالا في حديث لـ"العين الإخبارية" إن:"الحكم على الاتفاق بمفهومه الظاهر جيد، إلا أنه في المفهوم الباطني من المبكر الحكم عليه ويتنظر خطوات جدية من إيران".
وقال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، إنه :"سنحكم على الاتفاق السعودي الإيراني إذا تم الالتزام به ووقف تدخلات الإقليمية في دول المنطقة سواء في اليمن أو العراق أو لبنان".
وأضاف شنيكات لـ"العين الإخبارية" أن الاتفاق لم يعالج القضايا الإقليمية بشكل واضح إلا أنه نص على استئناف العلاقات الثنائية السعودية الإيرانية.
وأوضح أن المشكلة لا تكمن فقط في طبيعة العلاقات بين الدولتين بقدر ما تتعلق بحرب اليمن والوضع في العراق ولبنان، حيث لم يشملها الاتفاق ولم يعالج بشكل دقيق ذلك.
وشدد شنيكات على أن "الاتفاق سيكون أقرب إلى تحول استراتيجي إن نفذ بصورة صحيحة على الأرض، مؤكدا أن هناك ملفات شائكة كثيرة".
وقال شنيكات "إن من الإجراءات الواجب اتباعها لتثبيت الاتفاق، هو تغيير السلوك في العراق واليمن وحتى البحرين ولبنان"، وفق تعبيره.
وأضاف شنيكات:" الدول كلها تراقب كيف ستتعامل إيران مع هذا الإنفاق وهل تستطيع الصين رسم استراتيجية جديدة في المنطقة أم لا ".
بدوره، أشار الأستاذ في العلاقات الدولية وفض النزاعات الدكتور حسن المؤمني إلى أن "الاتفاق ليس مناورة ومن المبكر الحكم عليه إن كان تحولا استراتيجيا أم لا".
وأضاف المومني" هو اتفاق نجم عن تطورات إقليمية ودولية وعن تطورات في توجهات هذه الدول منطلقة من مصالحها الشخصية والاستراتيجية وخاصة منذ عامين اثنين ".
وأوضح، أن المنطقة بدأت تشهد نوعا من الاستدارات ضمن علاقات الدول الإقليمية والتي من أهمها" قمة العلا "التي أنهت الخلافات الخليجية.
وفيما يخص التطورات الدولية، قال المومني إن قدوم الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة أسهم في هذا الأمر، خصوصا أنه وفي بداية الأمر، كان هناك توجس من إدارة واشنطن الحالية إضافة إلأى التحولات والصراع بين روسيا وأوكرانيا ودخول دول عربية على خط العلاقة السعودية الإيرانية كوسطاء.
وشدد على أن دولا عدة رغبت بأن تدخلا كوسيط في العلاقة السعودية الإيرانية، على غرار العراق وسلطنة عمان.
وأضاف المومني" في آخر عامين، شهدنا دخولا صينيا مكثفا على المنطقة سواء كان اقتصاديا أو سياسيا مع رغبة من دول الإقليم بتنويع علاقاتها مع بكين ".
وبيّن أن "نقاط القوة في الاتفاق تكمن في قوة كلتا الدولتين السعودية وإيران وأن توافقهما يساهم في المساعدة على الاستقرار الإقليمي وإنتاج قوة مستقرة في حل الكثير من القضايا في الشرق الأوسط".