هكذا أرادت إيران أن تفعل، أي كما فعل عباس بن فرناس، طارت بأجنحة اصطناعية، ومن العلو الشاهق وجدت من يتلقفها
الحياة ليست مسرحاً عبثياً كي تلهو فيه المشاعر العدمية، وتحول المسرح إلى رحلة جنائزية إلى الفراغ اللامتناهي. الحياة خطوة فوق الأرض، وأخرى عند الغيمة، من لا يعرف كيف يُعانق حبات الرمل، ولا يعرف مشي الهوينى على الأديم، فإنه بالطبع سوف يذهب إلى الجحيم. ومن لا يعرف كيف يستمطر الغيمة، فلابد أنه سينوء تحت وطأة الظمأ المريع، وينتهي إلى لا شيء.
إيران لم تفكر بإيران، بل فكرت بالمحيط، والمحيط كان عميقاً جداً وواسعاً إلى درجة أن قارب إيران الصغير غرق في أحشائه قبل أن يغرق من يسكن هذا المحيط.
هكذا أرادت إيران أن تفعل، أي كما فعل عباس بن فرناس، طارت بأجنحة اصطناعية، ومن العلو الشاهق وجدت من يتلقفها، ألا وهي الكارثة، الجماهير التي عانت الكذب والخداع والصور البلاغية الجوفاء التي لم تسمن ولم تطعم من جوع، هذه الجماهير التي خرجت طلباً لقوت الأبناء ولا لشيء آخر، إنها لا تناصب أحداً السلطة والحكم؛ بقدر ما تريد الكرامة واللقمة الشريفة والصدق في تناول قضايا الوطن الإيراني.
إيران لم تفكر بإيران، بل فكرت بالمحيط، والمحيط كان عميقاً جداً وواسعاً إلى درجة أن قارب إيران الصغير غرق في أحشائه قبل أن يغرق من يسكن هذا المحيط. اليوم يصرخ حكام إيران متهمين الآخرين بإشعال نار الاحتجاجات، والتظاهرات، لا بأس قد يحصل هذا، وهذا هو من طبيعة الصراع بين الأضداد، ولكن لم يسأل هؤلاء الذين يسكنون في قم أنفسهم، أن من كان بيته من زجاج يجب ألا يقذف بيوت الناس بالحجر، وحكام إيران يعرفون أنفسهم، أنهم لا يعيشون في الدول الاسكندنافية، بل هم في إيران، وفي هذا البلد، هناك من الأمراض الاجتماعية، ما تنوء منه الجبال، أمراض بسبب الأمية والفقر، بالإضافة إلى الإثنيات التي تنتشر في التضاريس الإيرانية الواسعة، مثل حبات المسبحة، وهي تعيش بلا حقوق وعليها واجبات الانصياع للزخرفة الطائفية المفزعة التي طالما جاهر بها الملالي وشيعوها للعالم، بشكل فج، وسمج، وأرادوا من خلاله شق الصف الإسلامي وإضعاف هذا الدين، بحيث أصبح على أيديهم حقيبة سفر مهترئة.
اليوم الشعب يريد أن يغيّر هذا النظام، ليعيش منسجماً مع نفسه والعالم، ولتصبح إيران واحدة من الدول التي تساهم في تطور الركب الحضاري الإنساني، بعد أن تتخلص من الشعارات الجوفاء والعدوانية والسوداوية التي أعمت البصر، والبصيرة لدى من قاد البلد زهاء خمسة عقود، عانى منها الشعب الإيراني وواجه أشد أنواع البطش والاستغلال، ونهب أموال البلد، وتسخيرها لضرب المثل الإنسانية العليا، وتحطيم الدول ودعم المنظمات الإرهابية في العالم، لا يجوز أن يتهم حكام إيران الآخرين، بل يجب النظر إلى الواقع بعين الموضوعية، سيجدون الحقيقة، هناك، في إيران، وليست في مكان آخر.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة