بقدر ما يتحقق التقارب التركي الإيراني بقدر ما سيقابله الكثير من التراجع في علاقات أنقرة مع العديد من العواصم
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه ناقش خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني قضية الاضطرابات في إيران.
روحاني شكر أردوغان على اهتمامه بأمن واستقرار إيران، وقال إنه يأمل بانتهاء الاحتجاجات وعودة الهدوء خلال أيام .
كم هو عدد الزعماء الذين اتصلوا بروحاني للاستفسار منه عن التطورات الأمنية في الشارع الإيراني؟، ألن يُفسَّر ذلك على أنه خطوة تضامن تركية مع القيادة السياسية الإيرانية وسط هذه الظروف التي تعيشها إيران، وتجاهل كامل لكل السياسات الإيرانية التصعيدية في المنطقة؟.
قبل أشهر فقط كان الرئيس التركي يقول إن سياسات إيران الإقليمية تهدف للتمدد المذهبي، وإن القيادة السياسية في طهران "تنتهج سياسة انتشار وتوسع فارسية". وكان يتهم طهران بأنها تسعى لإشعال المنطقة، من خلال تأجيج الخلافات المذهبية ويعلن أن "إيران تستغل التطورات في اليمن والعراق وسوريا لتوسيع نفوذها في المنطقة".
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يرد متهماً بعض الأتراك بضعف الذاكرة والنسيان، قائلا: "أصدقاؤنا يعانون ضعف الذاكرة وداء النسيان، تعاطفنا مع الدولة التركية، بينما يتهمون إيران بزرع الطائفية فى العراق وسوريا، نسوا أننا لم نغفُ حتى الصباح ليلة الانقلاب الذى شهدته دولتهم، ونكروا الجميل أمام محبتنا لهم".
هناك مفاجآت تركية إيرانية غير معلنة في التنسيق الثنائي والإقليمي المشترك، لذلك لم تعد أنقرة تراهن على خضّات سياسية في الداخل الإيراني تضعف موقع إيران ودورها الإقليمي، والواضح أيضاً أن السياسة الخارجية التركية التي يعاد رسمها في هذه المرحلة تفتح الأبواب على مصراعيها أمام التقارب الاستراتيجي التركي الإيراني.
القيادة السياسية التركية التي كانت تحمّل طهران مسؤولية عرقلة عملية درع الفرات في مدينة الباب السورية، وتمويلها لحزب العمال الكردستاني في سنجار باتجاه تعطيل التقارب بين أربيل وأنقرة، والتي كانت تعتبر أن تمسك إيران بتحقيق هدفها النووي هو بين أهم الأسباب التي أدت للتقارب التركي العربي بهدف تحقيق التوازن الإقليمي، وزادت من حجم التقارب التركي الخليجي، نحو التعاون المشترك للتصدى لتوسع النفوذ الإيراني.
نجد تركيا اليوم تحمّل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل مسؤولية التدخل في شؤون إيران وحركة الاحتجاجات "وتأليب الناس على بعضهم هناك"، وتحرص على استقرار جارها الإيراني "استقرار تركيا مرتبط باستقرار إيران"، وتراهن على قدرة حكومة طهران في التعامل مع الاحتجاجات بحكمة وهدوء والحؤول دون " تحويل إيران إلى سوريا جديدة ".
وتتحرك تركيا عبر رئيس الوزراء بن علي يلدرم لدعوة الشعب الإيراني إلى اليقظة في مواجهة مخططات تستهدف الأمن، معلناً أنه " بالنسبة لنا فإن استقرار إيران ورفاهيتها أمر هام".
كيف انقلبت الأمور رأساً على عقب، وتداخل أمن تركيا الإقليمي بالأمن الإيراني بعدما كانت القيادات السياسية التركية تعطي الأولوية لأمن دول الخليج العربي، وتدعو طهران للتخلي عن سياسات التصعيد والتحرش والاستفزاز هناك؟.
هل من الممكن أن نتجاوز بمثل هذه البساطة ما كان يقوله لنا قبل سنوات الجنرال يحيى رحيم صفوي، مستشار علي خامنئي للشؤون العسكرية، أن تركيا ارتكبت ثلاثة أخطاء استراتيجية في المنطقة هي: نشر أجزاء من الدرع الصاروخي الأطلسي على أراضيها، وأنها تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل لزعزعة الاستقرار في سوريا، وأنها تسعى للترويج للإسلام العلماني في المنطقة؟.
لماذا اختارت القيادة السياسية التركية الانحياز إلى جانب القيادة الإيرانية في التعامل مع موجة الاحتجاجات التي عصفت بالبلاد؟، ولماذا تولي أنقرة "أهمية كبيرة للسلم الاجتماعي والاستقرار في إيران الصديقة والشقيقة"؟ .
وكيف ستتعامل أنقرة مع مواقف سياسية سابقة أطلقتها في سياستها الخليجية، وكان لإيران وسياساتها التصعيدية والاستفزازية هناك حصة الأسد فيها؟ ومن سيُقنع العواصم الخليجية أن التقارب التركي الإيراني وسط هذه الظروف ينبغي أن لا يقلق أحداً وهو ليس عملية اصطفاف إقليمي جديد؟.
هل الموقف التركي حيال التطورات الأخيرة في إيران سببه حقاً ما قيل في الكثير من وسائل الإعلام مخاوف عدوى انتقال الاحتجاجات إلى الداخل التركي؟ أم هو التقارب الاستراتيجي الثلاثي التركي الروسي الإيراني الذي وضعت أسسه قبل عام ونصف تقريباً وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا التي قلبت مسار السياسات التركية الإقليمية والدولية رأساً على عقب، فرأينا نتائج ذلك في سوريا وشمال العراق وفي الإستانة وسوتشي؟.
الواضح تماماً أن أنقرة لم تعد تريد اختبار علاقاتها بطهران مرة أخرى، وهي تعيد مراجعة سياسة علاقاتها بإيران حيث تكون الأولوية لمسار وتقدم العلاقات التركية الإيرانية هذه المرة .
هنالك الملف الكردي ببعده الإقليمي، حيث باتت تطورات المسألة الكردية توحّد بين أنقرة وطهران داخل حدود البلدين وخارجها.
وكذلك التوتر التركي الأميركي المتزايد منذ عامين تقريباً في الملف السوري، ومرحلة ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا والتهم التركية الموجهة إلى واشنطن حول دور أجهزتها فيما جرى.
وهناك ما تعاني منه أنقرة من أزمات متشعّبة ومعقّدة في علاقاتها مع العديد من الدول الأوروبية بسبب مسائل الحريات، واللجوء وخطط الحرب على الإرهاب والعضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، وهناك أيضاً حوالي 20 مليار دولار من العلاقات التجارية مع إيران الواجب حمايتها خصوصاً أن قسماً كبيراً منها يذهب ثمناً للغاز الإيراني الذي تحتاجه تركيا وتستورده من هناك .
"احتجاجات إيران تهدد الأمن القومي الإيراني وتخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية" . الواضح أن هناك في أنقرة من لا يريد أن يتوقف كثيراً عند أرقام لا يمكن تجاهلها في أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في إيران:
ترتيب إيران العالمي في مؤشر الفساد بين الدول هو اليوم 131 من أصل 180 دولة .
43 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر .
معدل بطالة 12.7% حسب تقارير البنك الدولي.
مشروع موازنة 2018 المتراجع من 376 مليار دولار إلى 341 مليار دولار بالمقارنة مع موازنة 2017، وأين وكيف تُنفَق هذه الأموال؟.
ثلاثة ملايين عاطل عن العمل لكن الكارثة الحقيقية أن هذه النسبة تصل إلى أكثر من 50 بالمائة في صفوف الشباب.
نحو 900 ألف يد عاملة جديدة في سوق العمل في 2018 مقابل تخلي سبعة ملايين طالب عن الدراسة و 15 مليون مواطن من أصل 80 مليوناً يعيشون تحت خط الفقر المدقع .
الواضح أن هناك مفاجآت تركية إيرانية غير معلنة في التنسيق الثنائي والإقليمي المشترك؛ لذلك لم تعد أنقرة تراهن على خضات سياسية في الداخل الإيراني تضعف موقع إيران ودورها الإقليمي.
والواضح أيضاً أن السياسة الخارجية التركية التي يُعاد رسمها في هذه المرحلة تفتح الأبواب على مصراعيها أمام التقارب الاستراتيجي التركي الإيراني. في المقابل هناك حقيقة أنه بقدر ما يتحقق التقارب التركي الإيراني بقدر ما سيقابله الكثير من التراجع في علاقات أنقرة مع العديد من العواصم الرافضة للسياسات الإيرانية في الإقليم .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة