التحليل التلخيصي للخطاب الإيراني من الأزمة يكشف عن أمور عدة، أهمها أن النظام كان قلقاً ولا يزال من ردة الفعل الشعبية.
خطاب الأزمات أثناء وقوعها لا يدخل في التفاصيل حتى لا يفقد خطوط رجعته، أو يتنازل عن مصداقيته، ولكنه يبعث برسائل ورؤوس أقلام تمثّل استراتيجيته في التعاطي مع الأزمة بنفس طويل، ورؤية عميقة، ويراقب معها ردود الفعل ليس ليبني عليها مواقفه، وإنما أيضاً ليحتاط منها في تحركاته، وهو مع كل هذا المجهود يتحرّك في اتجاه ما يؤمن به، أو يراهن عليه، ويصل في نهاية خطابه إلى محاولة استعادة حضوره، وتمكنه من فرض سيطرته.
تابعت الخطاب الإعلامي الإيراني من أزمة المظاهرات في البلاد، وبعد يوم من الاحتجاجات خرج وزير الداخلية الإيراني بلغة (المواطنين الأعزاء) وهي لغة ناعمة لم توجه للمتظاهرين وإنما للمترددين أو المعترضين على الخروج، والدليل أن الرئيس روحاني خرج بعد ثلاثة أيام من الأزمة ليوجه تحذيراً مباشراً بكلمة (مثيري الشغب)، ووصلت منتهاها بعد أقل من 24 ساعة على لسان الحرس الجمهوري بكلمة (الفتنة) التي تعبّر عن العامل الخارجي للأزمة.
صحيح أن خطاب الأزمة كان متذاكياً على واقعه، لكن الشعب الإيراني كان أذكى في التعامل معه؛ حين تجاوز الخطاب وخرج إلى الشارع المحتقن على نظامه الديكتاتوري، المهووس بأحلام إمبراطوريته الزائفة، وهناك قال كلمته بصوت عالٍ: "يسقط الديكتاتور خامنئي"
هذا التسلسل في الخطاب له مقاصد وغايات كبرى، (أولها) أن النظام الإيراني ترك المحتجين على مدى يومين ليعبروا عن رأيهم وسلوكهم رغم الهتافات والشعارات التي لم يتحملها، وهي عملية مقصودة ليُظهر أمام العالم ديمقراطيته المزعومة، ويكشف معها عن أوراق الأزمة وأجنداتها الخارجية، ويناور في هامش الاحتواء ليعرف سقف المطالب، وحتى لا يكرر خطأ قمع المسيرة الخضراء 2009 بعد ساعات من انطلاقها، و(ثانيها) خروج الرئيس الإيراني كحامٍ للسلطة متوعداً المتظاهرين، وهذا دلالة على أن الأمور لم تفلت من سياقها، ولكنها متروكة لتقدير ردة فعل السلطة وتبريرها للقمع والقتل والسجن، و(ثالثها) تبرير النظام الطائفي الذي ينوب عنه الحرس الجمهوري حين يغذي الشعب بمصطلح الفتنة، ويحصد معها مشروعية وجوده، ونفوذه، وسيطرته.
هذا التحليل التلخيصي للخطاب الإيراني من الأزمة يكشف عن أمور عدة، أهمها أن النظام كان قلقاً ولا يزال من ردة الفعل الشعبية، وأن شظايا الانفجار وصلت إلى أعتاب سلطته، ومهما تعامل معها بتقية سياسية وإعلامية، إلاّ أن الواقع يكشف عن أن العمق الإيراني مهزوز للغاية، ويمكن السيطرة عليه، والتأثير فيه، خاصة من مكوناته الأذرية التي تواجه إشكالات تاريخية وسياسية مع النظام، وهو مؤشر على أن قواعد النظام الشعبية بدأت تتململ من تدخلاته الخارجية، وتصدير ثورته في محيط لا يقبلها، أو يسمح بتمددها.
صحيح أن خطاب الأزمة كان متذاكياً على واقعه، لكن الشعب الإيراني كان أذكى في التعامل معه؛ حين تجاوز الخطاب وخرج إلى الشارع المحتقن على نظامه الديكتاتوري، المهووس بأحلام إمبراطوريته الزائفة، وهناك قال كلمته بصوت عالٍ: "يسقط الديكتاتور خامنئي"؛ لأنه يريد أن يكون مواطناً عزيزاً من وجهة نظره وليس من وجهة نظر نظامه الفاشي.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة