مجريات الأمور حالياً في إيران تؤكد أن ساستها لم يستفيدوا من أخطاء الأنظمة العربية التي سقطت منذ عام 2011 وما بعده.
بعد إسقاط حكم الشاه عام 1979، تحوّلت إيران إلى دولة تصدر الثورة الخمينية خارج أراضيها، فانقلب تصديرها وبالاً عليها بعد أن وصلت جموع كبيرة من الشعب إلى مرحلة الجوع، في الوقت الذي يرون أموال وطنهم تذهب بعيداً عنهم من أجل طموحات قادة جعلوا البلد موصوماً بالإرهاب ومكروهاً في المنطقة وعلى المستوى الدولي، وعليه فقد ثار لمواجهة «الثورة الخمينية» عدد كبير من أفراد الشعب الذي ضاعت حقوقه وفقد عيشه الكريم بسبب طموحات غير عقلانية وأهداف عدوانية عانى معها عقوداً من الظلم والاستبداد والاضطهاد وكدر العيش.
مع وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين من الشعب، يمكن القول إن الثورة الشعبية الإيرانية الجديدة قد اقتربت من مرحلة اللاعودة فكل مَن تظاهر يدرك أنه سوف يعاقَب بقسوة لو أُخمدت الثورة.
هذه الثورة كانت صادمة للنظام الإيراني فقد تجاوز عدد المدن التي خرج فيها المتظاهرون الـ 60 مدينة، وكانت مقولة «الموت لخامنئي» تتصدر هتافات المتظاهرين، وحُرقت صور المرشد وروحاني وأصبحت هيبة الولي الفقيه في مهب الريح، ومزّق المتظاهرون صور قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وهتفوا بـ«سليماني مجرم.. سليماني قاتل».
النظام الإيراني وكعادته انتهج سياسة الأنظمة القمعية في مواجهة هذه المظاهرات الحاشدة، فمارس العنف ضد المتظاهرين عن طريق الحرس الثوري ومليشيات الباسيج، وأطلق المظاهرات المؤيدة، وأعلن أن ما يحدث هو مؤامرة ضد الثورة، وقطع الإنترنت عن مدن كثيرة حتى انتهى به الأمر بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين.
ومع وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين من الشعب، يمكن القول إن الثورة الشعبية الإيرانية الجديدة قد اقتربت من مرحلة اللاعودة فكل مَن تظاهر يدرك أنه سوف يعاقَب بقسوة لو أُخمدت الثورة.
وعلى هذا الأساس، إن لم يستسلم نظام الولي الفقيه لطوفان الشعب الجارف ويصحح أخطاءه التي ظهرت عناوينها في هتافات الجماهير فهو زائل لا محالة، فكل الأنظمة التي استخدمت سلاح القتل فشلت في البقاء، فالدم لا يُنسى، وهو يجر وراءه دماً، وما التهديدات في بعض مناطق إيران للنظام بمواجهة سلاحه بالسلاح إلا مؤشر على خطورة الوضع الداخلي، ومأزق النظام الحاكم الذي قاده تخبطه السياسي إليه.
مجريات الأمور حالياً في إيران تؤكد أن ساستها لم يستفيدوا من أخطاء الأنظمة العربية التي سقطت منذ عام 2011 وما بعده، فكانت النهاية إما بسقوط النظام أو تحول الدولة إلى فوضى عارمة، فتهدمت المدن وتهجّر البشر.
وتكرار الممارسات ذاتها في إيران يعني أن السيناريو سوف يُعاد في العمق الإيراني، فالنظام الإيراني الذي اصطف إلى جانب أنظمة ضد شعوبها وأرسل مقاتليه لحماية تلك الأنظمة يحتاج اليوم إلى مَن يقف بجانبه كي لا يسقط، ولكن أنّى له ذلك ووضعه يتأرجح.
فالوضع الداخلي الإيراني على فوهة بركان لم يعد خامداً، وإن هي إلا أيام حتى يصبح النظام في مواجهة ما لا يطيق، ولن يفيده تعطيل الإنترنت أو حجب مواقع التواصل الاجتماعي، فالخيارات البديلة موجودة لدى الشعب، والإعلام قادر على الوصول إلى أي مكان.
الشعب الإيراني يعي ما يفعل، ويدرك مكامن البلاء الذي قاده إلى واقع اقتصادي رديء، فلو أن سليماني وعناصره لم يخرجوا من إيران لما أهدرت دولة غنية مليارات الدولارات في حروب خارجية، فيما الشعب مقتنع بأنه صرفها عليه في الداخل وتحسين واقعه المعيشي أولى من ذلك الإنفاق الخارجي العبثي الذي كانت نتائجه عكسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة