الإيرانيون يعرفون أنهم في موقف ضعيف، لذلك يوحون أنهم براجماتيون، لكنهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا متكلسين متشددين
لا أحد يفضل الحروب وإراقة الدماء إلا من يستقي من التاريخ الغابر حلوله الحضارية كما هم المتأسلمون سنة وشيعة، إيران هي من هذا النوع، فالملالي يعتقدون اعتقادا جازما أنهم مكلفون برسالة دينية مقدسة ليست محل مساومة أو تنازل، فحواها تسخير كل عوامل القوة المالية والسياسية على تحويل العالم السني إلى عالم شيعي صفوي، والاستعداد لخروج المهدي المنتظر من مخبئه، وهذه بالنسبة لهم بمثابة المسألة القطعية التي لا يملك أي زعيم أو قائد لدولة الملالي في إيران أن يتنازل عنها، مهما كانت المخاطر والتبعات، لذلك فإن خلافنا مع إيران ليس خلاف مصالح أو تجاذبات نفوذ هنا أو هناك يمكن أن يتم حلها بالحوار، لكنه -كما أقول دائماً- صراع وجودي، فإما نحن أو هم، وضع نقطة في آخر السطر.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الضغط على إيران من خلال العقوبات والحصار الاقتصادي هو الأجدى، فيجب ألا نكون في عجلة من أمرنا طالما أن الوقت يجري لمصلحتنا، ويفاقم أوضاع إيران، حتى وإن ادعوا خلاف ذلك
الإيرانيون يعرفون -رغم الضجيج والجعجعة- أنهم الآن في موقف ضعيف، لذلك تجدهم يوحون من خلال تصريحات بعض دبلوماسييهم أنهم براجماتيون، لكنهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا متكلسين متشددين غاية التشدد، كما أنني لا أعتقد إطلاقا أن ثمة انقسام بينهم، فهناك إصلاحيون وآخرون متشددون كما يزعمون، هذه لعبة يستخدمونها لذر الرماد في العيون، وادعاء تكتيكي يوظفونه متى ما وجدوا أنفسهم في مأزق، وإلا فإن (الولي الفقيه) يملك في يده كل خيوط اللعبة كما ينص الدستور، والقرار النهائي والأخير يعود إليه، وليس لأي أحد غيره، فهو في حقيقة الأمر (ديكتاتور) فاشٍ، لا تهمه أكثرية أو أقلية، بل يهمه ما يخدم مشروعه التوسعي الكسروي الصفوي.
غير أن نقطة الضعف الذي أرى الملالي لا يكترثون بها، وهي التي سوف تدمر الدولة برمتها؛ الاقتصاد، فالاقتصاد الإيراني هو الآن في منتهى الضعف، ويضعف أكثر مع كل يوم جديد، والوقت حسب المعطيات الظاهرة ضدهم وليس معهم، صحيح أن إيران صمدت أمام العقوبات والحصار الاقتصادي أربعة عقود كما يُفاخرون، لكنها أمام الحصار الحالي لا يمكن أن تصمد، لأنه أقسى حصار مر في التاريخ كما يقول الأمريكيون، ولأن طول أمد الحصار القديم أنهكها، وأنهك عوامل صمودها، الأمر الذي يجعلني أميل الآن إلى أنها في أسوأ حالاتها اقتصاديا واجتماعيا، بمعنى أن إيران إذا كانت تلعب على كسب الوقت حتى تتغير القيادة في الولايات المتحدة فإنني أجزم أنها ستجد نفسها تنتكس أمنيا على حين غرة، بمجرد أن تثور شرارة هنا أو هناك فالشعوب لا تستطيع أن تتحمل إلى ما لا نهاية، خاصة وهي ترى أوضاعها تتفاقم بشكل مضطرد، ولا ترى في الأفق ما يشير إلى أنها ستصل لحل للمشاكل المعيشية والفقر المدقع.
الأمر الآخر والمهم أن مشكلة إيران ليست فقط شعبها واحتياجاته الملحة فحسب، بل هناك متطلبات مالية ملحة أخرى تتمحور في الصرف على مليشياتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة، ومثل هذه المليشيات ليست في أغلبيتها مؤدلجة بما فيه الكفاية، ولكنها في الغالب (مرتزقة)، هي معها طالما أنها تصرف عليها، وستتخل عنها متى ما وجدت أن الصرف توقف، ومثلها لا أعتقد أنها تتحلى بالصبر والتحمل خاصة إذا طالت معاناتها.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الضغط على إيران من خلال العقوبات والحصار الاقتصادي هو الأجدى، فيجب ألا نكون في عجلة من أمرنا طالما أن الوقت يجري لمصلحتنا، ويفاقم أوضاع إيران، حتى وإن ادعوا خلاف ذلك.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة