الواقع أن الدول العربية لا تريد أي مواجهة في الخليج، ولا تريد الدخول في حرب مع إيران لاعتبارات تتعلق بالموقف العربي.
تتعدد الرؤى السياسية والاستراتيجية في النظر لآليات التعامل الأمريكي مع الشأن الإيراني وما إذا كانت الإدارة الأمريكية عازفة عن التدخل، وتحجيم النفوذ الإيراني في الإقليم بأكمله أم أنها لا تريد أن تتدخل بالفعل في أي مواجهة، وأن الرئيس الأمريكي عاجز عن اتخاذ إجراء خاصة بعد سلسلة تصريحاته الأخيرة بشأن عدم رغبته في الدخول في حرب جديدة وأن إيران يمكن أن تكون تحت القيادة الراهنة دولة عظمى، وغيرها من التغريدات التي دعا فيها إلى إجراء حوار مباشر مع إيران على غرار ما جرى مع الحالة الكورية الشمالية، وهو الأمر الذي لا يمكن تفهم أبعاده إلا في سياقات عامة عابرة تربط الإقدام الأمريكي على التدخل، والتعامل بحزم مع إيران انطلاقا من الخطر الإيراني الراهن والمحتمل في المنطقة بأكملها وليس في منطقة الخليج فقط.
الرسالة التي تتردد في الأجواء العربية؛ ماذا عن الخيارات الأمريكية البديلة؟ وماذا عن المسارات الاستراتيجية؟ ولماذا يستمر الارتباك والتباطؤ بهذه الصورة؟ وماذا عن البدائل الإيرانية في المقابل؟ خاصة وأن إيران ترتب حساباتها وسياستها انطلاقا من حسابات أمريكية، وهو ما يشير إلى حالة من التكشف في المعادلة الراهنة..
كما يمكن الإشارة في هذا إلى أن الوقت يمر، ولن يسعف الأمر الرئيس الأمريكي وإداراته على الإقدام على قرار المواجهة أيا كانت مع إيران والاكتفاء في التعامل من بعيد وتفعيل منظومة العقوبات، والعمل على إنجاحها، مع علم الإدارة الأمريكية أن إيران دولة بارعة تماما في الإفلات من سياسة العقوبات وقد فعلتها كثيرا، ومن ثم فإنها لن ترتدع بل على العكس ستستمر في نهجها العدواني، ولن تتراجع عنه، ومن ثم فان أي حوار مقترح أو مفاوضات يجب أن يكون على أسس وقواعد لابد أن تقبلها الدول العربية، ويجب أن تكون شريكا مباشرا في أي مفاوضات قادمة، حيث لم يتضمن الاتفاق النووي السابق بين أمريكا / أوروبا/ إيران، مشاركة عربية مع أنها هي الأجدر على الدخول من منطلق أن الدول العربية معنية بالملف الإيراني بأكمله وتطوراته أو على الأقل مع الجامعة العربية باعتبارها المؤسسة الممثلة للدول العربية، وهو ما لم يحدث وبالتالي فإن الدول العربية يجب أن تكون من الآن فصاعدا شريكا في أي تعامل مع إيران مواجهة، أو تسوية .
والواقع أن الدول العربية لا تريد أي مواجهة في الخليج، ولا تريد الدخول في حرب مع إيران لاعتبارات تتعلق بالموقف العربي، ومسعاه للتوصل لحل سلمي للأزمة، وليس عسكرتها، وهو ما تعكسه تصريحات ومواقف الدول العربية وعبرت عنه كلمات الرؤساء والملوك العرب في قمم مكة المكرمة وفي قراراتها.
وفي المقابل فإن الموقف الأمريكي غير واضح المعالم، فتارة يتحدث عن إعادة انتشار قواته، ومع ذلك يكتفي بتواجد 1555 عنصرا موجودين أصلا في المنطقة، واعتمادا على وجود الأسطول الخامس والقواعد العسكرية في المنطقة. ومع ذلك يشاهد ويتابع ويستجيب للنداءات التي تطالب البحرية الأمريكية بالتدخل، وإنقاذ السفن التي تتعرض لأعمال تخريبية ويكتفي بدور رمزي، وهو ما أعطى الجانب الإيراني الاستمرار والتمادي في مخططاته واستمرار توجيه صواريخه عبر وكلائه على مناطق مدنية مثلما جرى في استهداف مطار أبها.
والرسالة أنه قادر على الاستمرار في نهجه.. فماذا تفعل الإدارة الأمريكية التي تدرس وتبحث وتطالب بمزيد من التهدئة مع التأكيد على امتلاك كل الخيارات في حين يخرج الرئيس الأمريكي يؤكد صعوبة الاتجاه إلى الخيار البديل، والذي لا تريده الدول العربية بالضرورة، ولكن هذا الموقف المتردد والمرتبك دفع الجانب الإيراني للاستثمار في الموقف الأمريكي بكل تبعاته والتزاماته برغم تصاعد مد المعسكر المؤيد بالتعامل الحازم مع إيران في الإدارة الأمريكية، وبرغم ذلك تتحرك الإدارة الأمريكية في ظل خيارات محدودة وقاصرة على حلول تقليدية، وتوظيفها لحسابات خاصة بهذا الرئيس الأمريكي الذي يتحدث وفقا لحسابات المكسب والخسارة والنفقة والتكلفة والعائد، وهو ما قد يسبب تداعيات سلبية إذا استمر النهج الإيراني على ما هو عليه.
وقد تنفتح العديد من الدول في مواجهة الرئيس الأمريكي ترامب ما لم يلجم إيران في نطاقها الشرق أوسطي بدلا من سياسة الانتظار والتعايش مع الأزمة، والاستمرار في طرح البدائل والخيارات التي لن تفهمها إيران في ظل حالة التجاذب السياسي والاستراتيجي التي تقودها قيادات من المعسكر المتشدد، ومن خلال شخصيات اختبرناها عربيا ونعرف أن لديها مشروعا توسعيا للهيمنة على المنطقة بأكملها، وتطويع العالم العربي لصالح المشروع الفارسي باعتباره مشروعا عقائديا.
في ظل هذا كله فإن على الإدارة الأمريكية أن تحدد خياراتها إن أرادت أن تبقي على أواصر علاقاتها في الإقليم وأن تفي بمعطيات الشراكة العربية الأمريكية، وأن تستمع للدول الحليفة لها في المنطقة لاسيما وأننا لا نريد مواجهة أو حربا مع دول الجوار الإقليمي، وإنما نريد تقليص الخطر الإقليمي الممثل من إيران وإسرائيل وتركيا على العالم العربي، وأن تكف هذه القوي عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وأن تتعامل من منطق الجوار الإقليمي لا أن تكون مهددا للأمن القومي العربي وتمثل خطرا كبيرا على الاستقرار في الإقليم بأكمله.
واذا أدرك الرئيس الأمريكي وفريق مستشاريه أن التعامل مع الحالة الكورية الشمالية يخالف شكلا ومضمونا في التعامل مع إيران التي تملك مشروعا سياسيا واستراتيجيا، وفي حال توصلها لمرحلة العتبة النووية سيعني تغيير قواعد اللعبة في الإقليم بأكمله، وستكون في حالة من السباق الحقيقي للتسلح، وستضرر الولايات المتحدة بالأساس حيث مصالحها السياسية والاستراتيجية، كما ستتأثر أسواق النفط والاستثمار وهو ما سيعني في مجمله أننا أمام سيناريوهات ليس كلها وردية، أو أنها ستعمل بالضرورة للصالح الأمريكي في حال يعتقد الرئيس الأمريكي ترامب أن الأمر مجرد دعوة مثالية للجانب الإيراني بالعودة عن مسار التصعيد والانخراط لاحقا في مسار سياسي، وبناء اتفاق جديد مع إيران قد يعالج ثغرات الاتفاق السابق، متناسيا أن إيران اكتسبت خبرات طويلة وممتدة طوال سنوات التفاوض، وأنها يمكن أن تستمر في مخططها سنوات طويلة.
إن الرسالة التي تتردد في الأجواء العربية: ماذا عن الخيارات الأمريكية البديلة؟ وماذا عن المسارات الاستراتيجية؟ ولماذا يستمر الارتباك والتباطؤ بهذه الصورة؟ وماذا عن البدائل الإيرانية في المقابل؟ خاصة وأن إيران ترتب حساباتها وسياستها انطلاقا من حسابات أمريكية، وهو ما يشير إلى حالة من التكشف في المعادلة الراهنة سياسيا واستراتيجيا بين الإدارة الأمريكية، والجانب الإيراني بكل تجاذباته الداخلية، والتي تنظر أيضا إلى الداخل الإيراني المتردي، والمنقسم على نفسه في ظل حالة من عدم الرضا عن أداء النظام الإيراني، واستمراره في عناده وفي ظل حالة من الغليان الحقيقي على الأوضاع الداخلية .
إن على الإدارة الأمريكية تحمل مسؤوليتها السياسية، والاستراتيجية في مواجهة التهديدات والمخاطر الإيرانية والمهددة لأمن الإقليم بأكمله، وتتبنى توجهات فعالة، لكي تتجنب تداعيات سلبية حقيقية على أمنها ومكانتها الاستراتيجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة