الاستهداف الإيراني للسفن النفطية لا يمكن النظر له بعيدا عن الحالة التي تعيشها إيران من ضغط اقتصادي وعزلة سياسية متصاعدة وغضب شعبي داخلي
منذ بدء القرار الأمريكي إنهاء الإعفاءات للدول المستثناة من النفط الإيراني، كانت إيران تحاول التعويل على الدول المستوردة بعدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية، لكن هذا التعويل فشل بالتزام دول مثل الهند والصين بالعقوبات الأمريكية، لا سيما في الوقت الذي تعد فيه هاتان الدولتان من كبرى الدول المستوردة للنفط الإيراني، وهو بلا شك خطوة قوية شكّلت ضربة قاصمة للاقتصاد الإيراني، خاصة أن التزام هذه الدول بالعقوبات الأمريكية لا يقتصر أثره فقط على مشتريات النفط الإيراني، بل أيضاً يشكل خسارة اقتصادية كبيرة لإيران نظراً لمكانة هاتين الدولتين في خارطة الاقتصاد العالمي.
الاستهداف الإيراني للسفن النفطية سيكون له تأثير في الداخل الأمريكي فسوف يعمل على ترجيح كفة الصقور في الإدارة الأمريكية المؤيدة للتصعيد مع إيران ومعاقبتها مثل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي سارع إلى اتهام إيران بالوقوف خلف استهداف السفن النفطية في بحر عمان
كما أن هناك عدة عوامل أثّرت على إيران بعد أن فشلت في هذه الخطة، لا سيما أن أسواق النفط العالمية قد وصلت إلى مستوى مستقر، في الوقت الذي التزمت فيه السعودية والإمارات ببقاء الأسواق النفطية العالمية مزودة بما يكفي من كميات النفط، ومن هنا لا يمكن النظر لاستهداف السفن النفطية في بحر عمان وقرب المياه الإقليمية الإماراتية إلا أنه محاولة إيرانية لزعزعة استقرار الأسواق النفطية ومحاولة التأثير من أجل رفع الأسعار، وهي محاولة تأمل منها في إيران تحقيق أهداف؛ أولها الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية للتراجع عن تصفير الصادرات النفطية وتخفيف العقوبات النفطية، وثانياً ترى إيران أن زعزعة استقرار أسواق النفط العالمية قد يقود أيضا للضغط على الدول المستوردة للنفط الإيراني مثل الهند والصين بالتراجع عن الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على النفط الإيراني.
لا يقف الاستهداف الإيراني للسفن النفطية في المنطقة عند حدود التأثير على استقرار الأسواق النفطية، فهناك عدة احتمالات لقراءة هذه الخطوة الإيرانية. الأول يمكن أن يعود إلى التغيير في لغة التعامل الأمريكية تجاه إيران، والدفع الأمريكي بالتعزيزات العسكرية الأمريكية إلى المنطقة، وبالتالي فإن إيران التي "هددت بإغلاق مضيق هرمز" وأيضا تهديد الرئيس الإيراني بأنه ما لم تتمكن إيران من تصدير النفط، فلن يتمكن أي بلد من تصدير النفط من الخليج. ومن هنا يمكن أن ينظر لهذا الاستهداف الإيراني للسفن النفطية بأنه يأتي في سياق المحاولة الإيرانية "لجس نبض إدارة الرئيس ترامب وقياس ردة الفعل الأمريكية" واختبار لمدى الجدية الأمريكية في الذهاب نحو تفعيل الخيار العسكري في المواجهة مع النظام الإيراني، وعدم الاكتفاء بالخيار العسكري الأمريكي كأداة تهديد وضغط فقط.
أما الاحتمال الآخر لقراءة الاستهداف الإيراني للسفن النفطية لا يمكن النظر له بعيدا عن الحالة التي تعيشها إيران من ضغط اقتصادي وعزلة سياسية متصاعدة وحالة الغضب الشعبي الداخلي المتصاعد، وبالتالي فإن النظام الإيراني يدرك تماما أنه ليس من مصلحته الذهاب للعملية التفاوضية في حالة الضعف التي يعيشها، لذلك تحاول إيران تقوية موقفها عبر استهداف سفن النفط، وترسل رسالة للولايات المتحدة بأنها لا تزال قادرة على الاستمرار في تهديد أمن واستقرار المنطقة. وهي محاولة يأمل النظام الإيراني في أن تعمل على تحسين وضعه في العملية التفاوضية إذا جلس على طاولة الحوار، كما أنها محاولة لدفع الطرف الأمريكي إلى تقديم تنازلات وبخاصة فيما يخص الشروط الـ12 التي وضعتها إدارة ترامب.
الاستهداف الإيراني للسفن النفطية سيكون له تأثير في الداخل الأمريكي فسوف يعمل على ترجيح كفة الصقور في الإدارة الأمريكية المؤيدة للتصعيد مع إيران ومعاقبتها مثل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي سارع إلى اتهام إيران بالوقوف خلف استهداف السفن النفطية في بحر عمان وأيضا اتهم إيران بالوقوف خلف استهداف 4 سفن نفطية قرب المياه الإقليمية الإماراتية، وأيضا مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الذي يعد من كبار الصقور في الإدارة الأمريكية والذي يميل إلى اتخاذ موقف متشدد وأقوى تجاه إيران والذي طالب في عهد أوباما بقصف إيران بدلا من التفاوض معها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة