قليل من يسأل، ولو خليت لخربت، لكن الكلام عن وضع عام لا يعتبر استقالة مواطن، أو حتى طلبه التقاعد، مسألة توجب حتى سؤال «لماذا؟»
لا يراد أن يكون المواطن الولد المدلل عند المؤسسة الحكومية، فهذه صورة لم تكن في يوم من الأيام، في الشكل الذي أراد له البعض أن يكون نمطياً، حيث إن للمواطن كما يقولون شروطه، وبعضها صعب، منها أنه يريد أن يكون على قمة الهرم مباشرة، تلك إشاعة مغرضة نجح من روج لها خصوصاً في فترة ماضية، غير أنها ما زالت تلقي بظلالها الثقيلة للأسف، محاولة تشويه المشهد، والبعض يصدق، والبعض ما زال يصدق، وهو ما عرض ويعرض ملف التوطين، لهذه الجهة، لاختبار دائم كبير، فهنالك شعور دائم بأن هذا الملف حالة خاصة أو يعيش في دائرة تشبه دائرة المخاض المتعسر، وأن هذه هي القاعدة، فيما الاستثناء أن يمضي بعض التوطين هنا وهناك بسلاسة ويسر، و«دون ضحايا أو جرحى ومفقودين».
لا بد من حل أو حلول، ولا بد من مساءلة التقارير السنوية الخاصة باستقالات وإقالات الموطنين، فمن دون ذلك يعاني ملف التوطين كثيراً وهو يمضي إلى مستقبله ومستقبل الأولاد والأحفاد بقدم منهكة عرجاء
العبارة الأخيرة من باب المبالغة، والمبالغة واجبة إزاء نظرة البعض إلى كفاءة الموظف المواطن، النظرة التي تكرست عبر العقود، وهي التي طبعت بطابعها القطاع الخاص فبات خائفاً من «بعبع» التوطين، بناء على حالات مفردة قد تكون في أي مكان أو زمان.
في مراحل سابقة كان بعض مديري ومسؤولي توظيف المواطنين غير مواطنين، ولا تعميم في النتائج، فهذه الوضعية وضعية أزمة ابتداء، لكن من قال إن المواطن ليس ضد المواطن في أحيان كثيرة؟ من قال إن المسؤول المواطن يتبنى دائماً فكرة تشجيع المواطن وتعليمه؟ من قال إن بعض الإدارات الحكومية لا «تفرح» خصوصاً باستقالات المواطنين، فتشع عيون مسؤوليها بعلامات «النصر». مواطن استقال، وخصوصاً مواطنة استقالت، فأين التشجيع والتصفيق الحاد؟ مواطن استقال فلنقبل استقالته فوراً من دون تردد.
قليل من يسأل، ولو خليت لخربت، لكن الكلام عن وضع عام لا يعتبر استقالة مواطن، أو حتى طلبه التقاعد، مسألة توجب حتى سؤال «لماذا؟».
يبدو طرح هذا الموضوع الآن، بعد كل هذه التجربة، غير منطقي، لكن الحاجة توجب، ما زالت توجب طرحه، والحاجة أم الاختراع.
استقالة مواطن يعني أن تناديه على الأقل وتسأله. أن تهتم أو على الأقل أن تتظاهر أنك مهتم، وأن تحاول إخفاء الفرح الظاهر في عينيك، وتذكر أن لحظة استقالة المواطن بهذه الطريقة لحظة مقلقة حقاً، فهذه الدولة الوفية اشتغلت على هذا المواطن منذ الصغر باعتباره مشروع مواطن صالح ومنتج، وها أنت في لحظة معتمة حقاً تقبل استقالته على سبيل الفور، ولا تحاول إخفاء كمية الفرح التي تطفح من عينيك لتسيل على وجنتيك.
هذه وقائع تحدث في الواقع، وفي بعض المرات يعرف المسؤول الأسباب المتراكمة التي أدت إلى استقالة المواطن الذي أمامه، ويغض عنها البصر والبصيرة. تريد أن تستقيل؟ هذه هي الساعة المباركة، ويمكن رصد عشرات القصص بهذا الصدد، فللموظف المواطن مشكلة ما مع إدارة عمله ظل يثيرها سنوات، وفي اللحظة المعتمة، وربما كانت لحظة غضب مؤقت قدم استقالته، وإذا بأوداج المسؤول تنتفخ انتعاشاً وبهجة وغبطة.
ولا بد من حل أو حلول، ولا بد من مساءلة التقارير السنوية الخاصة باستقالات وإقالات الموطنين، فمن دون ذلك يعاني ملف التوطين كثيراً وهو يمضي إلى مستقبله ومستقبل الأولاد والأحفاد بقدم منهكة عرجاء.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة