اعتقاد طهران الخاطئ وضبابية نهج واشنطن.. مسؤول أمريكي مخضرم يدق ناقوس الخطر
تتبع إيران أسلوب المد والجزر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في السماح بمراقبة برنامجها النووي، في حين لا تزال الولايات المتحدة مطالبة بنهج أوضح للتعامل مع تحركات طهران في اتجاه إنتاج أسلحة نووية.
ففي حين عاد مدير الوكالة رافاييل غروسي، مؤخرا من طهران بتفاؤل كبير، أعقبته تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ببعض نفي ما تم التوصل إليه، خاصة الوصول إلى بعض المواقع السرية، حيث يخصب اليورانيوم بدرجات عليا.
وعكس ما تعلنه طهران، يعتقد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن هناك آثارا على تخصيب لليورانيوم بنسبة 84% داخل أجهزة طرد مركزي إيرانية.
إيران تقترب من تخصيب ينتج "قنبلة هيروشيما"
وعادة ما تصنف المواد الانشطارية الصالحة لصنع الأسلحة كيورانيوم مخصب بنسبة 90%، لكن الجدير بالذكر أن القنبلة الذرية الأمريكية التي أسقطت على هيروشيما في أغسطس/آب عام 1945 كانت سلاحا انشطاريا مخصبا لمتوسط 80%.
هذه المعلومة الخطيرة، اتخذها دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس الأسبق باراك أوباما، والزميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مدخلا لتحليل حول خطورة المماطلة الإيرانية، وكسب الوقت لتطوير البرنامج النووي.
وقال روس في تحليله إن الإيرانيين قد يدعون أنهم لا يخصبون بدرجة تتخطى 60%، وأن الآثار التي تم اكتشافها مجرد جزيئات، لكن يجب أن يدق هذا الاكتشاف نواقيس الخطر.
واعتبر روس أن الأمر بمثابة تذكير بأن إيران بلغت قدرة على إنتاج مواد تستخدم في تصنيع الأسلحة بسرعة، وأن التخصيب بنسبة 60% - وهو أمر يقول غروسي إنه "ليس له مبرر في الأغراض المدنية" – وضع الإيرانيين بالفعل في هذا الوضع.
ويجب الاعتراف بأن صنع مواد انشطارية تصلح للاستخدام في الأسلحة لا يماثل امتلاك قنبلة، لكنه أهم عنصر مطلوب لصنعها.
وبحسب روس، لا تعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد ما إذا كانت نسبة 84% هي ببساطة جزيئات محدودة أو ما إذا كان ذلك خطوة متعمدة من جانب إيران للتخصيب لدرجة قريبة من درجة تصنيع الأسلحة.
وقال روس: "لكننا نعلم أنه للمرة الثانية في غضون شهر، انخرطت إيران في نشاط مشتبه فيه بموقع للتخصيب"، مشيرا إلى أنه بغض النظر عن التفسير الإيراني، فإن طهران تقترب من التخصيب إلى الدرجة المستخدمة في تصنيع الأسلحة، ويمكنها بوتيرتها الحالية أن تجمع بسهولة مواد انشطارية مخصبة إلى نسبة 60% بما يمكن استخدامه في تصنيع 10 قنابل بحلول نهاية هذا العام.
وأشار مسؤول دفاع كبير هذا الأسبوع إلى أن الأمر قد يستغرق من الإيرانيين أقل من أسبوعين، لجعل هذه المواد بالدرجة الصالحة للأسلحة النووية.
ورأى روس أن هناك تأثيرين لهذا الواقع الناشئ بحاجة لوضعهما في الاعتبار، لافتا إلى أن الأول يتمثل في أن الإيرانيين يتصرفون كما لو أن التخصيب للدرجة المستخدمة في الأسلحة وتجميع كميات كبيرة من المواد الانشطارية لا يمثل تهديدا عليهم، والثاني أن فكرة عدم رد إسرائيل على ما يعتبره القادة تهديدا وجوديا، هو محض وهم.
إسرائيل منشغلة
روس في النقطة الأخيرة أضاف أن إسرائيل قد تكون منشغلة بخطة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإصلاح القضاء والمعدلات المتنامية للعنف مع الفلسطينيين، لكن يتشارك جميع القادة الإسرائيليين من شتى الأطياف السياسة مخاوف زعيم "الليكود" بشأن حجم المواد الانشطارية التي تصلح لتصنيع القنبلة التي تجمعها إيران وتقوية بنيتها التحتية النووية، الأمر الذي سيزيد صعوبتها على إسرائيل لتدميرها.
ولن يؤكد ما اكتشفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المواد المخصبة سوى تعميق الاعتقاد الإسرائيلي بأن النهج الحالي للولايات المتحدة وحلفائها سيسفر في النهاية عن حصول إيران على قنبلة، وأنه بغض النظر عن التصريحات التي تقول العكس، فإن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مستعدين للتعايش مع النتائج، لكن إسرائيل ليست كذلك.
ورأى روس أنه إذا أرادت إدارة بايدن إجبار الإيرانيين على الاعتراف بالتهديد وإقناع الإسرائيليين بأن لديها طريقة لردع إيران عن تطوير برنامجهم، فيجب أن ترد على ما كشف عنه مؤخرا.
تحديث سياسة بايدن
وأردف أنه يتعين على إدارة بايدن تغيير سياستها المعلنة، إذ أن قول: "جميع الخيارات مطروحة" -كما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مقابلة- لا يؤثر في أحد، ناهيك عن الإيرانيين.
وبدلا من ذلك، يجب على بلينكن أو الرئيس جو بايدن الإعلان عن أنه بالرغم من تفضيل الولايات المتحدة للدبلوماسية لحل مسألة تهديد البرنامج النووي الإيراني، يواصل الإيرانيون إظهار عدم تفضيلهم لذلك الخيار، وبدلا من ذلك تقربهم تحركاتهم من القنبلة، وهو أمر تعهدت الولايات المتحدة بمنعه.
وأوضح روس أن الإعلان عن ذلك من شأنه أن يشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت في إعداد الرأي العام الأمريكي والمجتمع الدولي لعمل عسكري محتمل ضد برنامج إيران النووي.
وشدد على ضرورة أن ترى إيران تدريب الولايات المتحدة على هجمات الجو- أرض الخاصة بها خلال تدريبات في المنطقة، لافتا إلى أن التدريبات المشتركة الأخيرة مع إسرائيل كانت خطوة أولى جيدة، وتحتاج لتكرارها.
وبالتوازي، يجب أن تكون إدارة بايدن منخرطة بشكل واضح مع الإسرائيليين، وبعض دول المنطقة في المشاورات والتدريبات الرامية إلى صد أي هجمات إيرانية محتملة ضد تلك الدول، بحسب روس.
وأشار إلى أن هذا سيظهر أن الإدارة لا تستعد لهجوم محتمل فحسب، بل وتتوقع كيف يمكن للإيرانيين الانتقام من حلفاء أمريكا في المنطقة - وكيف خططت الولايات المتحدة لإحباط ذلك.
اعتقاد إيران الخاطئ
ولفت روس أن فكرتين خاطئتين لدى طهران؛ الأولى: اعتقادها بأن الولايات المتحدة لن تتحرك عسكريا ضدها، والثانية أن واشنطن ستمنع الإسرائيليين أيضًا من فعل ذلك، لكن بحسب المسؤول السابق بإدارة أوباما، يمكن لإدارة بايدن الرد على هذا الانطباع بتوفير المواد والذخيرة التي من شأنها أن تجعل أي ضربات إسرائيلية أكثر فعالية.
وأكد روس أن الإيرانيين بحاجة أيضًا لرؤية شيء لا يتوقعوه – استجابة عسكرية تظهر أن أي قيود لوحظت سابقا لم تعد سارية الآن، كما يجب الرد على الهجمات بالوكالة، وبدون تردد.
واختتم روس التحليل بالقول إنه إذا تبنت الولايات المتحدة كل هذه التدابير، سينتبه الإيرانيون، وسيكون الهدف دفعهم لوقف تطوير برنامج التخصيب النووي، وبالتالي فتح باب الاحتمال لمسار دبلوماسي لعكسه.
ولتجنب الحرب مع خصم يشكل تهديدا -بحسب روس- يجب دفع ذاك الخصم للاعتقاد في أن الطرف الآخر سيستخدم القوة.
وقد يكون إرسال إشارة واضحة بشأن نهج أمريكي جديد ضروريا الآن، ليس فقط لإقناع الإيرانيين بوقف تقدمهم نحو سلاح نووي، ولكن أيضًا كي تظهر الولايات المتحدة للصين وروسيا أنها قادرة على التعامل مع عدة تهديدات في وقت واحد وأن لديها الإرادة لذلك.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg جزيرة ام اند امز