تفترض إيران أنها إذا نجحت في بناء قوة صاروخية تهدد بها الجميع، أو إذا تحولت إلى قوة نووية.
فإن ذلك سوف يحل مشكلتها مع دول المنطقة والعالم، ولكنها تزيد الطين بلة.
تفترض إيران أيضا أنها باستعراضات القوة العسكرية تستطيع أن تمارس الابتزاز، لتفرض ما تريد، إلا أنها في الواقع، تخسر المزيد من مبررات الثقة بقدرة نظامها على أن ينضبط في إطار قيم وأعراف وموازين.
كما تفترضُ أنها بالرهان على عصاباتٍ ومليشياتٍ ومنظماتِ إرهاب تستطيع أن تملي نفوذا يوفر لها الحماية، إلا أنها، كما هو واضحٌ في كل مكانٍ تمددت إليه، تحولت إلى كيانٍ مكروهٍ ومنبوذ ويندد به ملايين البشر.
إذا كان الاتفاق النووي لعام 2015 قد تجاهل برنامجها الصاروخي، ورفضت إيران أن يتم البحث فيه لإحياء ذلك الاتفاق، فإن استعراضاتها الصاروخية الأخيرة لم تترك متسعا للشك بأن تجاهل هذا البرنامج كان ثغرة قاتلة، وأنه لا بد لأي اتفاق جديد أن يتوقف عنده ليكبحه ويحد من مخاطره. لم يدفعها أحدٌ إلى ذلك، ولكنها فعلته بنفسها.
والقول إن إيران تستعد لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تبلغ 20%، بينما يحدد الاتفاق النووي المستوى المسموح به بأقل من 4%، تكون إيران قد أطلقت النار على الاتفاق الذي تريد للولايات المتحدة أن تعود إليه، وهي عندما تلجأ إلى استخدام أجهزة طرد مركزي أحدث، من أجل تسريع عمليات التخصيب في مواقع سرية، وعندما تهدد بطرد مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإنها تكون قد تجاوزت كل حدود الثقة بأنها نظام يمكن التعايش معه بسلام، أو يمكن مده بأسباب البقاء، أو رفع العقوبات عنه. ولم يدفعها أحدٌ إلى ذلك، ولكنها فعلته بنفسها.
وتدفع إيران بمليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لتكون أداةَ تخريبٍ وفسادٍ وجريمة، لتؤكد بذلك طبيعة نظامها الهمجية، فتزيد في عزلتها عن دول المنطقة الأخرى، وتكشف للعالم برمته أنها كيان غوغائي لا علاقة له بأي معنى من معاني الدولة، الأمر الذي يجعل أي اتفاق يُعقد معها مجرد وهم، لأن طبعَ الهمجيةِ فيها سيعودُ ليغلب على باقي المسالك.
الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يستطيع أن يرى ذلك الآن بوضوح، فعلى الرغم من أن هناك اتفاقا أمنيا وُقع في عام 2005 مع حكومة بغداد برضا إيران، ليضمن مصالح الولايات المتحدة، ويبرر وجود أكبر سفارة لها في العالم، ورغم كل ما قدمه الاتفاق النووي من تسهيلات وفرص، فإن مليشيات إيران دفعت واشنطن إلى إخلاء سفارتها في بغداد وتقليص قواتها في العراق، ولا تزال بقايا هذه القوات تتعرض للتهديد، وكأن سلطة الولي الفقيه تقول إنها حتى وإن وقعت اتفاقات فإنها ستعود لتنقضها وتنقلب عليها، عندما يغلب الطبع الهمجي فيها على التطبيع والتوقيع.
ولم يدفعها أحدٌ إلى ذلك ولكنها فعلته بنفسها، وهي تريد من دول العالم أن تعاملها كما تعامل أي دولة أخرى، بينما هي لا تعامل نفسها إلا نظام رعاع ومليشيات تخريب وفساد وإرهاب.
كيف يمكن للعالم أن يتعامل مع نظام كهذا؟ سؤال لا بد أنه يشغل كل مراكز البحث والتفكير، والجواب الأكثر إقناعا حتى الآن هو بقاء العقوبات ضده، وتشديدها كلما زاد في حمقه، وفرض عزلة أوسع فأوسع عليه، ليواجه محنته مع نفسه.
لو شاءت إيران أن تشن أي اعتداء سواء ضد دول المنطقة أو مصالح العالم الاقتصادية في أخطر ممر مائي على وجه الأرض، فإنها لن تتوقع شيئا أقل من ردٍ ساحق، ولسوف تتحمل إيران إلى أبد الآبدين كلفة سياساتها العدوانية، وما قد تلحقها من أضرار وخسائر.
وفي الواقع، فإن توجها دوليا يُنذر إيران بأنها ستدفع الثمن، فتُجبر على دفع تعويضات عما ترتكبه من اعتداءات، سوف يفرض على المسالك الهمجية أن تفكر مرتين.
لقد نفذت إيران بالفعل جملة من تلك الأعمال، ولكنها لا تزال قيد الإفلات من عواقبها، ولو أن قرارا دوليا صدر ليُملي على إيران أن تدفع تعويضات فإن نزعة التهديد وسياسات الابتزاز سوف يتوفر لها رادع صريح.
في تلك الساعة، لا صواريخها ستنفع، ولا قوتها النووية ستوفر لها الحماية من الفقر والعزلة، وهذا وضعٌ لم يدفعها أحدٌ إليه.. يقول الشاعر:
لن تبلغ الأعداءُ من جاهلٍ *** ما يبلغُ الجاهلُ من نفسهِ
والحمقُ داءٌ ما له حيلةٌ *** ترجى، كبُعد النجمِ عن لمسهِ
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة