التحولات الأمريكية التي حدثت في عهد الرئيس ترامب كانت من أكثر الفترات إثارة للجدل.
وطرحت الكثير من الأسئلة حول السياسات الأمريكية التي لم يسبق لها أن اختبرت رئيسا يشبه الرئيس ترامب بكل تفاصيله وخبرته السياسية القليلة، خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
المفاجأة السياسية أن الصورة التي ظهر عليها ترامب كرئيس لأكبر دولة في العالم كانت مفهومة وبشكل كبير للكثير من الشعوب، بينما كانت عقيدة ترامب ومساره السياسي مقلقين للداخل الأمريكي وبعض الدول الأوروبية التي أربكها المسار السياسي الذي اتخذه ترامب للتعامل مع العالم.
لقد تخلى ترامب، خلال سنواته الأربع الماضية، عن قواعد اللعبة الديمقراطية التي تعودت على ولاء مطلق من قبل رؤساء أمريكا عبر التاريخ لمعاييرها، وعلى التمسك بالتقاليد الصارمة لمن يكون رئيسا لأمريكا، لقد انكشف الاستقطاب الحزبي وتشكلت صوره وأسهم في إضعاف الصورة الديمقراطية، وسمح بنشوء صراع وجودي فوق صهوة العرق والثقافة الأمريكية، وهي ثقافة شديدة الحساسية من الانقسامات الداخلية، فعبر التاريخ تجرعت أمريكا الكثير من الدروس المؤلمة من حروب أهلية وانقسامات عنصرية وثقافية.
الصورة التي انطلق بها عهد الرئيس ترامب قبل أربع سنوات كانت صورة مربكة، فلم يتعود العالم على رئيس أمريكي يتحدث كثيراً وبكل شيء وبلا قيود، ويهاجم الإعلام وينتقد معارضيه، ويصدر قراراته عبر تغريدات على حسابه في "تويتر"، ويصور أمريكا وكأن كل العالم قد استغلها لصالحة، وأنه أتى كي يعيد لأمريكا قوتها من وجهة نظره القائمة على أن كل شيء بثمن، لقد هاجم ترامب كل أصدقاء أمريكا عبر مطالبتهم وإحراجهم سياسيا، وهذه السياسة تأتي في سياق اعتقاد ترامب أن من دفع ثمن دور أمريكا العالمي هو الداخل الأمريكي، وهذه نقطة حاسمة ومؤثرة في سياساته كلها.
اليوم، تنطلق حقبة جديدة في أمريكا يقودها رئيس جديد مختلف وربما متناقض مع سابقه بدرجة كبيرة، وهو بذلك يرث جبلا من "الأخطاء السياسية" التي تركها سلفه الرئيس ترامب، وتحديداً الداخل الأمريكي الذي أصبح هشاً كما الزجاج كنتيجة طبيعية للنمو السكاني للأقليات غير البيضاء وإمكانية أن تصل هذه الأقليات عبر المسار الديمقراطي إلى أن تكون الأكثرية وهذا هو المتوقع على بُعد عقد من الزمان فقط.
كل الطرق عابرة وميسرة أمام الديمقراطيين لإعادة الحصان الأمريكي إلى مساره الصحيح، حيث ثبت بشكل قطعي أن مرحلة ترامب لم تكن تعبّر حقيقة عن تحولات جذرية في ديمقراطية أمريكا، والدليل على ذلك تلك الأصوات الهائلة التي مُنحت لبايدن في الانتخابات الأمريكية، فالشعب الأمريكي بكل تنوعاته ينتظر وبسرعة تصحيح تلك الأخطاء التي تم ارتكابها في عهد الرئيس ترامب كما يقول ذلك الديمقراطيون وأنصار بايدن، وسوف تشهد المئة يوم الأولى أكبر عملية نقض للقرارات التي اتخذت من قِبل الرئيس السابق.
عودة أمريكا إلى مسارها التقليدي مهمة للعالم، فالطفرة التي صاحبت فترة الرئيس ترامب كانت مخاطرها أكثر بكثير من إيجابياتها، ومهما يكن حجم التقليدية في عهد بايدن فإن الخبرة السياسية العالمية في التعامل مع أمريكا تقليدية أمر مرغوب ويمكن تفهمه وقد يكون مطلوبا لتجديد التوازنات العالمية، لن يكون هناك الكثير من القلق في مسيرة بايدن، فالداخل الأمريكي سوف يستهلك معظم فترته الرئاسية، بينما سيوكل لمساعديه تصحيح السياسات الخارجية لأمريكا، وهذا ما سوف يعيد للعالم درجة من التوازن وتخفيف التسارع والقلق الذي خلقته فترة الرئيس ترامب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة