في الأيام القليلة الماضية حدث متغيران مهمان يمكن لنا بقليل من التحليل قراءة ما سيكون عليه الحال السياسي العربي خلال الفترة المقبلة.
التي ارتبطت بإدارة أمريكية جديدة "بايدن" تختلف كليا عن الإدارة السابقة "إدارة ترامب".
المتغير الأول هو تصريح السفير المصري في واشنطن معتز زهران، أثناء مشاركته في لقاء افتراضي مع المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، حيث أشار إلى مجموعة نقاط، أهمها على الإطلاق ما قاله عن الدور الإيراني في المنطقة بأن الملف الإيراني ليس هو المشكلة وإنما التدخل الإيراني في دول المنطقة هو المشكلة، وأن هناك فرصة سانحة للتنسيق مع الإدارة الجديدة للحد من التدخل الإيراني في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن.
هنا نشير إلى ملاحظة مهمة جدا، وهي أن هذا التصريح قد يكون هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة بهذه الصراحة، فموقف مصر الداعم لدول الخليج ضد التغول الإيراني واضح لكنه غير معلن، وحين يكون معلنا لا يكون بهذه الصراحة والوضوح.
المتغير الثاني هو الزيارة التي قام بها أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني وشؤون المغتربين، إلى الرياض ولقاؤه نظيره السعودي فيصل بن فرحان، وتصريحه من هناك، خلال مؤتمر صحفي، بأن الأردن متفق مع المملكة في تعزيز العمل العربي المشترك ومواجهة التحديات، خصوصا ما يتعلق بإيران.
إذاً نحن أمام تصريحين عكسا الموقف الرسمي لبلدين عربين؛ هما الأردن ومصر، جاءا متزامنين في التوقيت والوضوح، وبالتالي يقودنا التحليل السياسي لهذين الموقفين إلى استعادة المسميات القديمة للتحالفات العربية القديمة التي كانت قبل 2011.
خلال الأعوام العشرة الماضية التي تخللتها موجات ما سمي "الربيع العربي" الأولى في "مصر، وتونس، واليمن، وسوريا، وليبيا"، والثانية في "الجزائر والسودان"، يمكن القول إنه حدث تفكيك لكل التحالفات التي برزت قبل ٢٠١١، وإعادة تركيبها بطرق مختلفة. استفادت إيران كثيرا خلال تلك المرحلة، حيث زرعت لنفسها موطئ قدم في سوريا وأيضا في اليمن عبر مليشياتها الحوثية وهكذا في العراق ولبنان.
في عام 2015، حدث ترتيب تحالف من نوع جديد، نفذ وقتها عملية "عاصفة الحزم"، وكان تحالفا عسكريا عربيا خليجيا موسعا انضمت مع الدول الخليجية عدد كبير من الدول العربية؛ وهو تحالف مرهون بالمهمة التي من أجلها تأسس وهي الوقوف في وجه التغوّل الإيراني من البوابة اليمنية.
في إطار هذا الرصد، يمكن القول إن الموقفين المصري والأردني يشكلان دليلا مهما على إعادة ترميم محور الاعتدال السياسي في المنطقة، ولهذا الترميم أهمية كبرى في هذا التوقيت:
أولها: خلق رؤية عربية مشتركة وموحدة تجاه التحديات التي تهدد دول المنطقة لتكون صاحبة صوت واحد مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تحوي غموضا لطالما عانى منه العرب في تعاملهم مع الديمقراطيين وآخرهم "أوباما" الذي في نهاية عهده سلم المنطقة إلى المليشيات الإيرانية، بعد أن صرف لهم من الخزينة ما يزيد على 100 مليار دولار، ووقع الاتفاق الإيراني النووي الذي كان أسوأ صفقة وقعها الأمريكيون، كما قال "ترامب".
ثانيا: الاتفاق المعلن حول الأخطار والتحديات، خصوصا الخطر الإيراني مع الاتفاق على طريقة معالجته، وهذه نقطة مهمة جدا، خصوصا ما قاله السفير المصري وما قاله وزير الخارجية الأردني، حيث يؤكدان أنه لا اتفاق غربيا أمريكيا في المستقبل مع إيران بدون أن يكون المكون الخليجي العربي حاضرا فيه بشروطه؛ أولها أن تكف إيران عن تدخلاتها في المنطقة وأن تسحب مليشياتها من العراق واليمن وسوريا ولبنان.
إن الموقف العربي هو موقف واحد قادر على فرض إرادته تجاه الغرب وأمريكا والروس وإيران نفسها. بالتالي بات من الواضح أن "بايدن" لو عاد إلى الاتفاق الإيراني النووي الذي انسحب منه سلفه "ترامب" لن يكون اتفاقا نوويا بقدر ما سيكون اتفاقا سياسيا نوويا أمنيا أيضا، بحضور العرب والخليجيين كأطراف فاعلة فيه.
يبقى فقط التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المحور الثالث، حسب التسمية القديمة، وهو محور الحياد السياسي العربي، وهنا يمكن التنبؤ بأنه لن يبقى محايدا، بل من الممكن أن ينضم إلى محور دول الاعتدال.
أما ليبيا، فلن تبقى طرابلس المنحازة إلى الأتراك كما هي، بل لو عادت اللحمة الليبية ستكون ليبيا في المحور الذي تكون فيه مصر. من كل هذا يمكن لنا التنبؤ بالشكل الذي سيكون عليه الزمن السياسي العربي خلال الأعوام الأربعة المقبلة في ظل رؤية جديدة لحكم العالم كله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة