ما هي إلا ساعات معدودة ويسكن الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن البيت الأبيض.
وارثاً له من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، بالإضافة إلى تَرِكَةٍ ضخمةٍ من الملفات الشائكة والمعقدة، على رأسها الملف السوريّ الذي خلط به سلفه ترامب الأوراق رأساً على عقب بين الزّجّ بالولايات المتحدة في الملف بقوّة وحّنق على تعاطي الرئيس الأسبق باراك أوباما معه، ومن ثم قراره - أي ترامب - الانسحاب بشكل مفاجئ من الشمال السوري، ليتمدّد النفوذ التركي الروسي على حساب الوجود الأمريكي، مما جعل السياسة الأمريكيّة تتسم بالترنُّح وعدم الثبات في تعاطيها مع الملف السوريّ.
ومما يجعل التصوّر بأنّ الملف السوري من الملفات ذات الأولوية على مكتب جو بايدن مسارعتُه للإدلاء ببعض التصريحات والإجراءات التي سبقت حتى حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، كحديثه لوسائل الإعلام الأمريكيّة بأنّه فور استلامه منصبه سيُجري مكالمة مطوّلة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول سياسته في المنطقة، واصفاً إياه بالمستبد الذي يجب أنْ يدفع ثمناً باهظاً، كلامٌ لا يخلو من الإشارة إلى النفوذ التركي المتسع في المنطقة عموماً وفي سوريا على وجه الخصوص، يضاف إلى ذلك تعيين بايدن للدبلوماسي والمسؤول السابق في وزارة الدفاع برت ماغورك كمنسّقٍ للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، والجدير بالذِّكر أنّ "ماغورك" كان ضمن فريق إدارة الرئيس "ترامب" للملفّ السوريّ والمسؤول المباشر عنه، إلا أنّه استقال من منصبه عام 2018 عقب اتّصال ترامب بالرئيس التركي أردوغان آنذاك والتفاهم على الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري الذي رفضه "ماغورك" بشدّةٍ، فاستقال من منصبه احتجاجاً على هذا القرار.
ومن المعروف عن "ماغورك" أنّه شديد العداء لسياسات "أردوغان"، كما أنّه المنسِّق وصاحب فكرة الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا لمحاربة تنظيم داعش، كما تشير التحليلات والتقارير الصحفية إلى نيّة "ماغورك" تعيين "زهرا بيل" كمديرة للملف السوريّ في مجلس الأمن القومي، وهي التي تتفق مع رؤيته في تقوية موقع الأكراد وقوات "قسد" في الشمال السوري، والعودة إلى ما قبل مرحلة انسحاب "ترامب" منه عام 2019.
على الرغم من أنّ هذه القراءات والتحليلات قائمة على قراءة بعض الخطابات والتشكيلات الإدارية التي قد تتغيّر أولوياتها تبعاً للمصلحة الأمريكية التي تحكمها السياسة والدبلوماسية، فإنّ ما يقوّيها الإرهاصات التي بدت ملامحها مبكراً، كمسارعة الخارجية التركية لإدانة تصريحات "بايدن" حيال سياسة تركيا وأردوغان، كما أنّ الميدان السوري ولا سيما الشمال الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية يشهد توتراً فريداً من نوعه بين "قسد" والجيش السوري، وكأن قوات سوريا الديمقراطية قد تلقّت تلك المؤشرات على شكل توجيهاتٍ خفيّةٍ، فبدأت بالاحتكاك مع المربعات الأمنية التي تحتفظ بها القوات الحكومية السورية منذ أعوامٍ في مدينتي الحسكة والقامشلي، التي لم تجرؤ "قسد" يوماً على التعرض لها، أما اليوم فتنتشر أنباء عن إمهال "قسد" لقوات الجيش السوري حتى العشرين من يناير/كانون الثاني الجاري للانسحاب منها، وهو موعد تنصيب بايدن، كما لجأت تركيا إلى تنفيذ عمليّات خاطفة لقضم ما أمكنها من الشمال السوري قُبيل تولي بايدن الرئاسة، كحملتها منذ أسبوعين على "عين عيسى" في الشمال السوري.
وفي نهاية المطاف، فإنّ المؤكد هو أنّ الملف السوري كان وما زال من أكثر الملفات الساخنة على مشرحة السياسة الدولية عموماً والأمريكية خصوصاً، وأنّ ما في جعبة بايدن يختلف كثيراً عما كان في جعبة ترامب ولا سيما أنّ بايدن سواء في حملاته الانتخابية أو في رؤاه السياسية والاستراتيجية يعارض ترامب بشدّةٍ وينتقده بصرامةٍ في قيادته وتوجيهه للإدارة الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة