نعتقد أن المواطن الإيراني فقد ثقته بالنظام وسياساته الرعناء وصرف أموال الشعب في الخارج على المليشيات من أجل نفوذه،
يمر النظام الإيراني اليوم بأسوأ تردٍ اقتصادي منذ بداية الثورة عام 1979، وهبوط العملة الإيرانية إلى أدنى مستوياتها وانهيارها في مدة وجيزة مما أدى إلى ارتفاع حاد للأسعار والغلاء الفاحش، وإغلاق المحلات والبنوك واعتقال السلطات لعدد كبير من التجار متهمة إياهم بالمضاربة في العملة، ثم خروج المظاهرات العارمة في شتى المدن شمالاً وجنوباً منددة بالمرشد وسياساته الاقتصادية؛ لاسيما صرفه الأموال على المليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها.
السؤال المطروح هل يستطيع النظام الإيراني تغيير سياساته وتدارك المشاكل الاقتصادية، لاسيما انهيار العملة وتحقيق مطالب الشعوب المظلومة. الجواب وبكل حقيقة.. من الصعب جداً.
رغم طمأنة الرئيس الإيراني حسن روحاني الشعب بالحفاظ على العملة الإيرانية وعدم هبوطها، لكنها هبطت بالفعل وبشكل متسارع وفي فترة وجيزة إلى أرقام غير مسبوقة وغير متوقعة بينما كان الريال الإيراني قبل ثماني سنوات فقط؛ حيث كان الدولار يعادل 10 آلاف ريال عام 2010، بينما اليوم 90 ألف ريال يعادل دولاراً واحداً فقط، مما أدى إلى جملة قرارات للبنك المركزي منها منع تداول العملات الرقمية، لكنها لم تكن فاعلة مما أدى استقالة رئيس البنك المركزي لعدم قدرته على مواجهة المشكلة الكبيرة وانهيار العملة؛ لتكشف عن إفلاس النظام وشعاراته وأدواته.
وتكشف التقارير العالمية عن تهريب الأموال من إيران سنوياً، وتدعي الوزارة تهريب مليارات الدولارات إلى الخارج لذلك قامت بإغلاق العديد من مكاتب الصيرفة بعد منعها من بيع وشراء العملات الصعبة وتجريمهم.
خرجت المظاهرات بشكل كبير في طهران وأصفهان ومشهد وتبريز وشيراز وغيرها من جديد بشكل قوي وفاعل، وهناك اعتصام كبير للتجار وإغلاق المحلات التجارية من البازار رفضاً للغلاء وسياسات النظام؛ مما أدى إلى اعتقال الكثيرين بتهمة "أعمال شغب" وسيحالون إلى المحاكم ولن يطلق سراحهم، كما صرح رئيس السلطة القضائية الذي هدد بدوره المتظاهرين بالإعدام وإنزال أقسى العقوبات على المتظاهرين.
ولابد من التأكيد على البازار وهو صاحب القرار الذى أسقط نظام الشاه بعد المظاهرات والاعتصامات عام 1979؛ مما يجعل البعض متسائلاً عن قدرته على إسقاط نظام الملالي المعاصر وخوف السلطات من قوة البازار وآثاره بعد تفاعله مع هذه الأحداث.
أسباب سقوط العملة الإيرانية كثيرة، سياسية واقتصادية، وأهمها فساد النظام والمسؤولين والبذخ الفاره الذي يصرفه المسؤولون وذووهم، وكذلك العقوبات الأمريكية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والخزانة الأمريكية، ووضع المسؤولين الإيرانيين، ومنهم رئيس البنك الإيراني على لائحة العقوبات الأمريكية، ومشكلة تصدير النفط الإيراني الذي هو اعتماد الاقتصاد، وانسحاب عدد كبير من الشركات العالمية من إيران، وأزمة البنوك الإيرانية، والعجز في الميزانية، والفوائد البنكية، وإقبال التجار على سحب أموالهم من البنوك وتحويلها إلى الدولار، الذي ارتفع إلى أسعار خيالية؛ فلا تمتلك إيران سوقاً حرة للعملات فالتفاوت بين السعر الرسمي والسعر الحر كبير جداً، كما زادت البطالة بنسبة كبيرة أيضاً.
لقد أصدر مركز أبحاث البرلمان الإيراني تقريراً مؤخراً يضم 36 صفحة حول أزمة سوق العملات الأجنبية وتأثيراتها الكبيرة على الاقتصاد المحلي، ومنها احتياطي إيران من النقد الأجنبي الذي انخفض بأكثر من 16 مليار دولار؛ فيما ارتفعت ديون البنوك بالعملات الأجنبية بمقدار 12 مليار دولار ، وبلغ عجز الموازنة 14 مليار دولار مؤخراً وارتفاع أسعار المواد بشكل خطير ومرعب مع ازدياد نسبة الفقر وما زال التدهور مستمراً، وأرجع التقرير سبب الانهيار إلى سوء علاقة البنك المركزي مع البنوك العالمية بعد العقوبات الدولية خصوصاً الأمريكية بشكل حاد.
نحن نعتقد أن المواطن الإيراني فقد ثقته بالنظام وسياساته الرعناء وصرف أموال الشعب في الخارج على المليشيات من أجل نفوذه، لذلك تم تهريب العملات الصعبة إلى الخارج فقد هربت المليارات، وهذا واضح من شعارات المتظاهرين المطالبة للنظام والملالي بالرحيل وعدم صرف الأموال على مليشيات الخارج وأن الداخل أحوج إلى أمواله، علاوة على أن فساد المسؤولين ومنهم قاسم سليماني وشعار "الموت للديكتاتور" والمقصود به خامنئي وشعار "اتركوا سوريا وفكروا في حالنا" و"لا نريد دولاراً بعشرة آلاف تومان".
إن الحرس الثوري الإيراني بمؤسساته، يسيطر على الاقتصاد الإيراني وقد تحول الكثير من جنرالات الحرب إلى مافيات مسيطرة على أموال الشعب، وهي تنفقها على شراء الأسلحة للمفاعلات النووية والصواريخ والطائرات من كوريا الشمالة والصين وروسيا والهند، وكذلك صرف المليارات على المليشيات التابعة له مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ومليشيات بدر والعصائب وحزب الله في العراق. وهنا يظهر فساد الحرس الثوري بعد انغماسه في التجارة.
والسؤال المطروح هل يستطيع النظام الإيراني تغيير سياساته وتدارك المشاكل الاقتصادية، لاسيما انهيار العملة وتحقيق مطالب الشعوب المظلومة. الجواب وبكل حقيقة.. من الصعب جداً، ذلك بسبب هيمنة الحرس الثوري وارتباطه بالمرشد الذي يعتقد أن النظام قائم على القمع والفساد ونفوذ الحرس الثوري، لذلك فإن لجم الحرس الثوري يعني انهيار البنيان الموجود من أساسه وسقوط النظام من قبل الشعوب الإيرانية نفسها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة