بعض المحللين يشيرون إلى توفر رغبة ملحة لدى الإدارة الأمريكية في خفض أسعار المنتجات النفطية.
يشير بعض المحللين إلى توفر رغبة ملحة لدى الإدارة الأمريكية في خفض أسعار المنتجات النفطية خشية تأثير ارتفاع الأسعار على نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم. إذ إن أي انتصار يمكّن الديمقراطيين من تحقيق أغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب أو في أحدهما، كفيلة بتقييد حركة الرئيس ترامب الذي يستند إلى أغلبية لحزبه الجمهوري في المجلسين منذ دخوله البيت الأبيض في يناير 2017.
التصرف في جزء من المخزون سواء بالبيع المباشر أو بالإعارة هدفه في النهاية خفض الطلب الأمريكي على النفط في السوق العالمي، بحيث تنخفض الأسعار بشكل ملموس يشعر به المواطن الأمريكي قبيل التوجه للتصويت في الانتخابات
ويشير البعض إلى أنه ربما تكون واحدة من الآليات التي ستسعى الإدارة إلى استخدامها قبيل الانتخابات لتعزيز فرص فوز الجمهوريين هي طرح كمية كبيرة نسبيا من المخزون الاستراتيجي من النفط، وهو المخزون الذي يتم تمويله حكوميا. ويساعد على فكرة استخدام المخزون للتأثير على الأسعار عدة تطورات مرت بها الأسواق وهذا المخزون خلال السنوات القليلة الماضية.
لماذا المخزون الاستراتيجي؟
بداية تكوين هذا المخزون كانت في عام 1977 عقب قرار من وكالة الطاقة الدولية التي أقامتها الدول المستهلكة الكبرى للنفط في عام 1974. ويلزم القرار الدول الأعضاء في الوكالة بالاحتفاظ بمخزون من النفط الخام والمنتجات ليتم تداول نسب محددة منه بين الدول الأعضاء في أوقات الأزمات. ويشمل ذلك الأزمات الناجمة عن الظروف المناخية (كالأعاصير مثلا)، أو العوامل الجيوسياسية التي تلم بإحدى الدول المنتجة والمصدرة، أو غيرها من العوامل التي تؤثر على سلاسة تدفق النفط للدول المستهلكة. وينص القرار المذكور على الاحتفاظ بكمية من مخزون النفط والمنتجات (سواء في ذلك المخزون الاستراتيجي أو التجاري) تغطي على الأقل 90 يوما من صافي واردات الخام والمنتجات. ومع بلوغ مستوى المخزون الأمريكي الإجمالي نحو 1863.6 مليون برميل في 22 يونيو الماضي، وبلوغ صافي الواردات ما يقرب من 3.4 مليون برميل يوميا في المتوسط منذ بداية هذا العام، نجد أن المخزون يغطي نحو 548 يوما من صافي الواردات، أي أكثر من ستة أمثال ما ينص عليه قرار وكالة الطاقة الدولية. ويُمكّن هذا الوضع المريح الإدارة الأمريكية من الإقدام على التصرف في المخزون الاستراتيجي المملوك فيدراليا بجرأة كبيرة.
الأمر الثاني أن هناك بالفعل قرارات بالتصرف ببيع جزء من المخزون، خاصة منذ ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وهو ما عمل على خفض كبير في صافي الواردات من النفط والمنتجات من أكثر من 8.7 مليون برميل في المتوسط عام 2011 إلى نحو 3.4 مليون برميل حاليا. فقد وافق الكونجرس في أكتوبر 2015 على تشريع أعده الحزبان الجمهوري والديمقراطي ببيع ما قدر آنذاك بنحو 190 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي على مدى عشرة أعوام، وذلك بهدف خفض العجز في الموازنة الفيدرالية. وقد بدأ تنفيذ هذا القانون عمليا في يناير 2017. ثم أصدر الرئيس الأمريكي قرارا مفاجئا في 24 مايو من العام الماضي بتوسيع قرار الكونجرس ليوصي ببيع نحو نصف مخزون النفط الاستراتيجي القائم آنذاك (نحو 668 مليون برميل)، أي 334 مليون برميل على مدى عشرة أعوام ولذات الهدف خفض عجز الموازنة. وقرار ترامب إذا يعني بيع نحو 33.4 مليون برميل في المتوسط خلال العام المالي الأمريكي أي في الفترة الواقعة بين بداية أكتوبر وحتى نهاية سبتمبر من العام التالي، وذلك على مدى الأعوام العشرة "أكتوبر 2017/سبتمبر 2027".
ووفقا للبيانات التي تصدرها هيئة معلومات الطاقة الأمريكية فإنه لم يتم بيع سوى نحو 13.6 مليون برميل منذ بداية العام المالي الحالي في أكتوبر 2017 وحتى 22 يونيو 2018، فيتبقى في المتوسط ما يقرب من 20 مليون برميل يمكن التصرف بها حتى نهاية شهر سبتمبر القادم. ومع الوضع في الاعتبار أن انتخابات التجديد النصفي ستتم خلال شهر نوفمبر يصبح المجال مفتوحا أمام الإدارة للتصرف في جزء من المخزون المقرر بيعه خلال العام المالي القادم الذي يبدأ في شهر أكتوبر 2018، أي قبل إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
تاريخ في استخدام المخزون لأغراض سياسية
الواقع أن استخدام المخزون الاستراتيجي لم يقتصر على الأغراض التي تم بناء هذا المخزون لأجلها، أي وجود درجة عالية من المخاطر التي تحيط بالإمدادات النفطية. فاستخدام المخزون الاستراتيجي للتأثير على الأسعار كان أمرا شائعا نسبيا خاصة إبان المواسم الانتخابية.
فقد أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون قرارا بطرح 30 مليون برميل من النفط بواقع مليون برميل يوميا من المخزون الاستراتيجي الأمريكي في سبتمبر 2000، على أن يبدأ السحب من المخزون في 7 أكتوبر 2000، أي على مدار الشهر السابق على إجراء الانتخابات الرئاسية. وقد ثار جدل وقتها بين مرشحي الرئاسة، فبينما أيد نائب الرئيس والمرشح الديمقراطي للرئاسة في ذلك الوقت "آل جور" استخدام المخزون الاستراتيجي، أكد المرشح الجمهوري "بوش الابن" أن الظروف لا تبرر استخدام هذا المخزون، إذ إن الأمن القومي الأمريكي لا يتعرض لأي تهديد، وأكد أن قرار الرئيس الأمريكي هو لأغراض مساندة المرشح الديمقراطي عبر خفض الأسعار للمستهلكين. بينما علقت الدوائر القريبة من الرئيس كلينتون على أن القرار لا يهدف للتأثير في الأسعار، وإنما اتخذ لتأمين حاجات المستهلكين مع قرب فصل الشتاء البارد وعدم التوفر الكافي لزيت وقود التدفئة.
وفي التاريخ أيضا، نجد أن الكونجرس بمجلسيه وبأغلبيته من الحزب الديمقراطي عارض أي إضافة للمخزون الاستراتيجي قبل انتخابات الرئاسة في عام 2007 بستة أشهر، حيث خشي الديمقراطيون من لجوء إدارة بوش الابن لاستخدام المخزون في مساندة المرشح الجمهوري جون ماكين، أسوة بما فعله الرئيس الديمقراطي كلينتون من قبل.
والواقع أن تأثير استخدام المخزون الاستراتيجي لا يحدث فقط عبر طرح جزء منه للبيع مباشرة. إذ قد تلجأ الإدارة إلى ما يعرف بمبادلة أو إعارة النفط، حيث تستعير المصافي كمية من المخزون الاستراتيجي لفترة من الوقت ثم ترد هذه الكمية مع كمية إضافية كفائدة بعد فترة من الوقت. ومن المنطقي أن ذلك يعزز من مصالح المصافي إذا ما تمت استعارة النفط حينما تكون الأسعار مرتفعة ليتم سداده خلال فترة تتميز بانخفاض الأسعار.
ومن الطبيعي أن التصرف في جزء من المخزون سواء بالبيع المباشر أو بالإعارة هدفه في النهاية خفض الطلب الأمريكي على النفط في السوق العالمي، بحيث تنخفض الأسعار بشكل ملموس يشعر به المواطن الأمريكي قبيل التوجه للتصويت في الانتخابات، سواء في ذلك الانتخابات الرئاسية أو التشريعية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة