ما يؤكد وجود بوادر واضحة لمؤشرات السقوط في إيران، أن النظام الكهنوتي نفسه بدأ على قناعة بأنه يسير في طريق السقوط.
بدأت مظاهر الغضب الشعبي في إيران تصل مستويات عالية في العام 2009، عقب التزوير في الانتخابات والتي عرفت باسم الثورة الخضراء، وتجددت الاحتجاجات في العام 2011 ، في مرحلة ما سميت آنذاك بالربيع العربي، تعامل النظام الإيراني مع هذه الاحتجاجات بقاعدتين رئيسيتين؛ الأولى هي الاعتماد على القمع، والثانية الهروب إلى الخارج بتسليط الضوء على ما يحدث في اليمن، وفي سوريا، وأعاد النظام الإيراني شعارات قديمة؛ للاستفادة منها في تجييش الرأي العام الداخلي بجانبه عندما تعامل مع الثورات التي حدثت في العالم العربي بأنها مستلهمة من الثورة الإسلامية الإيرانية، وشعارات الخميني الشعوبية في نصرة المستضعفين.
ما يؤكد أن النظام الكهنوتي في إيران بدأ يصنع لنفسه معارضة داخلية؛ حتى لا تصبح الساحة بأكملها من نصيب المعارضة الخارجية أو من نصيب المعارضة الداخلية المعارضة للنظام الكهنوتي من أساسه، بروز العهد السابق على المشهد السياسي ممثلا في شخص الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي بدأ يرتدي عباءة المعارضة.
جاء الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية ليقدم للنظام الذي يرزح تحت وطأة الغضب الشعبي، فرصة لتسويق أن هذا الاتفاق انتصار له، وأيضاً الاستفادة من المميزات التي منحها له الاتفاق، وبخاصة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، لكن النظام تعامل مع المكاسب التي تحققت برفع العقوبات، وبخاصة رفع الحظر المفروض على النفط الإيراني في إنفاق هذه الثروات في حروب خارجية.. لم يسع النظام إلى معالجة الأوضاع الداخلية، وهو بالتالي ما أدى إلى عودة الاحتجاجات الشعبية في الشارع الإيراني مرة أخرى وبسقف مرتفع.
يمكن أن نلاحظ بأن الاحتجاجات التي يشهدها الشارع الإيراني بين الفينة والأخرى، وبخاصة في الأشهر الخمسة الأخيرة، أنها احتجاجات تخطت مستوى الأوضاع المعيشية والاجتماعية، وأخذت طابعاً أكثر سياسياً، هذا الطابع السياسي سعى لتحطيم الكثير من الحواجز التي كانت في حكم المحرمات، وهي المناداة بالموت للمرشد الإيراني وإسقاط النظام؛ ولذلك نجد أن التخطي الشعبي لهذه الحواجز يكشف عن دخول الغضب الشعبي في إيران مرحلة اللاعودة، وهي مرحلة تضع النظام الإيراني أمام خيارين؛ إما تغيير السياسيات، وإما الاستعداد للسقوط وتغيير النظام.
هناك عوامل أخرى تدعم مرحلة اللاعودة التي دخل فيها الحراك الشعبي الداخلي في إيران، ومنها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الذي استخدمه النظام الإيراني كورقة انتصار لتخدير الوضع الداخلي، وأيضاً عودة العقوبات المفروضة على إيران وآخرها التصريحات الأمريكية المطالبة بالحظر على النفط الإيراني.. في تقديري أن كل هذه العوامل سوف تدفع الانتفاضة الشعبية إلى التصعيد؛ لأن من مخرجات هذه الخطوات الأمريكية أنها سوف تحدث شللا في الاقتصاد الإيراني مما يجعل النظام الإيراني قريبا من اتخاذ خطوات على طريق تحسين المعيشة؛ لتهدئة الشارع الإيراني، الذي يُعدّ التردي الحاصل في الأوضاع المعيشية هو أحد محركات هذه الانتفاضة.
ربما ما يؤكد وجود بوادر واضحة لمؤشرات السقوط في إيران، أن النظام الكهنوتي نفسه بدأ على قناعة بأنه يسير في طريق السقوط، مما دفع هذا النظام إلى اتباع استراتيجية جديدة، وهي السيطرة على المعارضة، السيطرة على المعارضة لم تكن عبر أداة القمع فقط، بل إن النظام الكهنوتي بدأ يصنع لنفسه معارضة في الداخل في محاولة للاستحواذ على الانتفاضة الشعبية وتسييرها وفق ما يصب في مصلحة إجراء تغييرات لا تمس جوهر الإزالة الكاملة لنظام الملالي، الذي تأسس بعد إسقاط الشاه، وإنما تقطع الطريق أمام المعارضة الخارجية في أن تعمل على تسيير الشارع الإيراني وفق ما تذهب له، وهو الانهيار الكامل للنظام الكهنوتي بخاصة، وأن التطورات في الشارع الإيراني طالت المرشد الإيراني الذي سقطت قدسيته في الشارع الإيراني وبات المحتجون الإيرانيون في الشارع يرفعون لافتات تنادي بالموت لخامنئي.
ما يؤكد أن النظام الكهنوتي في إيران بدأ يصنع لنفسه معارضة داخلية؛ حتى لا تصبح الساحة بأكملها من نصيب المعارضة الخارجية أو من نصيب المعارضة الداخلية المعارضة للنظام الكهنوتي من أساسه، بروز العهد السابق على المشهد السياسي ممثلا في شخص الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي بدأ يرتدي عباءة المعارضة، ويهاجم النظام الحاكم بدءا من خلال تصريحاته التي اتهم فيها المرشد الإيراني بنهب 190 مليار دولار، وهو تطور لافت للنظر، ويتماشى مع المتغيرات التي يشهدها الشارع الإيراني الذي أصبحت قضيته ليست مع النظام السياسي فقط، بل مع رأس هرم النظام الكهنوتي هو المرشد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة