إنّ هذا التفاعل السامي والمستمر من أصحاب السمو لهو دلالة كبرى على إيمان القيادة بأهمية تواجد مثل هذه القنوات
يتذكّر أكثرنا إنْ لم يكن جميعنا ذاك الفيديو للمؤسس زايد الخير، رحمه الله، وهو يقول: «والله العظيم أني ما كنت أعرف أن عندنا مواطنين ساكنين بالإيجار!»، ثم يوجّه بعض المعنيين حوله بضرورة أن تنقل له جميع احتياجات الناس من الفئات المتعففة، والذين لا يجدون وسيلة لإيصال طلباتهم أو تتلكأ الجهات الخدمية عن أخذ متطلباتهم بصورة جادة!
منذ ذلك الموقف وتحسباً لوجود خطوط مسدودة أو قنوات لا تعمل بطريقة ملائمة قامت الحكومة الرشيدة بشقّيها الاتحادي والمحلي بالاهتمام بمراكز خدمة العملاء في مختلف مؤسساتها الخدمية؛ لتحسين جودة خدماتها وتنويعها لتلبي حاجة جمهورها المستهدف، واستحدثت مبادرات «العميل السري» للتأكد من كفاءة القائمين على مراكز الخدمة وقياس مدى رضا العملاء الفعليين عنها، وشجّعت برامج الخط المباشر على التلفاز والإذاعة ليقف كبار المسؤولين على شكاوى وملاحظات وطلبات المجتمع المحلي، والتي لا تصل إلى متخذي القرار، وكم لاحظنا تفاعل أصحاب السمو الشيوخ حكام الإمارات مع حالات عديدة منها، وتدخلهم المباشر لحلّها، أو الأمر باتخاذ اللازم حيالها بما أثلج نفوس كافة الناس.
إنّ الابن لا يعيبه أن يشتكي لأبيه، والمواطن لا يطعن في وطنيته لا من قريب أو بعيد حلاً أو أُذُناً أن «يُنفّس» عما يضيق به صدره مما لم يجد له مستمعة مِن مؤسسة معنيّة، وما دام الطرح مؤدباً وملائماً ولم يخرج إلا بعد أن ضاقت الوسائل بهؤلاء الـمُتعَبين فَـلْـ«يُنقّطنا» موزعو صكوك الوطنية بسكوتهم
إنّ هذا التفاعل السامي والمستمر من أصحاب السمو لهو دلالة كبرى على إيمان القيادة بأهمية تواجد مثل هذه القنوات وتقبّلها للاستماع لما قد يُثْقِل كاهل البعض من أبناء هذا المجتمع، هذا التفاعل الإيجابي هو ما يجعل الإنسان يتعلّق بقيادته أكثر لأنه يرى العلاقة ليست علاقة تابع ومتبوع، ولكن علاقة أسرة متعاضدة يهتم كبيرها بأفرادها، هذا التقبّل الذي يبدو أنّ بعض المزايدين على الوطنية لا يفقهونه!
تقول شاعرة الإمارات الكبيرة فتاة العرب: «ماحدٍ يشكي ويبكي من البطر»، فالبعض ممن يعيش في رغدٍ من العيش يظن الجميع مثله في سهولة أمور الحياة، وبعض هؤلاء تجده بالمرصاد «يحبّس» للناس في وسائل التواصل الاجتماعي إنْ اشتكى أحدهم من ارتفاع سعر سلعة ضرورية، أو انخفاض مستوى خدمة أو طَرَحَ شيئاً مما يُهمّه ولا يجد له حلاً، فتجد المجموعة الأولى تُعنّفه دون سبب، وبعضهم «ينغزه» بأنّه لا يشكر ولا يحمد الله على ما لديه، والجملة المعتادة جاهزة: «أنت شوف الدول الثانية اللي ما يحصلون اللي تحصله»، والبعض من المتكسّبين على أكتاف البسطاء لا يتردد في التشكيك بوطنية هؤلاء، وبأنهم يفتحون على الوطن باباً للتهجّم عليه وانتقاصه، وكأن المتهجمين على البلد ينتظرون شكوى عادية لمواطن!
لن يتكلف شخص عناء الاتصال أو الكتابة عن صعوبة حالته لو لم يكن الأمر كذلك، ولو وجد حلاً أو استجابة إيجابية من المؤسسة ذات العلاقة لما اتصل ولا هم يحزنون، ولكن «ما يردّك على الـمُرّ إلا الأمرّ عنه»، وما دام ولاة الأمر حفظهم الله يتابعون ويتفاعلون مع هموم مواطنيهم فلماذا «ينشب» البعض كعظمةٍ في البلعوم، موبخاً مرّة ومُشكّكاً في وطنية الآخرين مرة أخرى، هل هو أحرص على البلد من قادته؟ أم هو حامي الوطن الوحيد الذي يهتم لشأنه؟ أم أنه يحاول تكميم أفواه الناس حتى لا يُحرَج فلان أو يُنتَبَه لتقصير علّان ممن يفترض أن يكون مناط الشكوى أو الملاحظة متعلقاً بمؤسساتهم؟
إنّ الابن لا يعيبه أن يشتكي لأبيه، والمواطن لا يطعن في وطنيته لا من قريب أو بعيد حلاً أو أُذُناً أن «يُنفّس» عما يضيق به صدره مما لم يجد له مستمعة مِن مؤسسة معنيّة، وما دام الطرح مؤدباً وملائماً ولم يخرج إلا بعد أن ضاقت الوسائل بهؤلاء الـمُتعَبين فَـلْـ«يُنقّطنا» موزعو صكوك الوطنية بسكوتهم.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة