خداع الإعلام الإيراني.. الهروب من جحيم أميني لـ"نار فلويد"
فيما تشتعل الأجواء بالداخل الإيراني جراء احتجاجات مقتل مهسا أميني، بدا الإعلام الإيراني يعاني حالة انفصام بإعادة فتحه لملف جورج فلويد.
واعترفت وسائل إعلام إيرانية رسمية بمقتل العشرات خلال موجة احتجاجات اندلعت في البلاد بعد مقتل الشابة مهسا أميني خلال احتجازها من قبل شرطة الأخلاق.
وتزامنت مع حملة الوكالات والصحف، محاولات قادها خبراء ومحللون إيرانيون عبر وسائل إعلام إيرانية ناطقة بالعربية لتوجيه بوصلة أزمة الداخل تجاه إعادة إحياء أزمة الأمريكي صاحب البشرة السمراء جورج فلويد الذي سقط ضحية لأحد عناصر الشرطة الأمريكية.
وكالة الأنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) كتبت قبل عدة أيام تقول: "رغم وصول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، لم تصل حقوق المواطنين الملونين وحقوق الأقليات في الولايات المتحدة إلى خواتيم مرضية بعد".
وأضافت: "فعلى الرغم من إلغاء الفصل العنصري عام ١٩٦٤، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال جمرا تحت الرماد، بدءا من التمييز على أساس اللون والعرق ولا تنتهي بالتمييز على أساس الدين والمعتقد".
وذهبت الوكالة الإيرانية الرسمية بعيدا وغاصت في "الانفصام الإعلامي" بحديثها عن تكرار مشاهد العنف ضد الأقليات في محاولة لإلقاء "كرة اللهب" بعيدا عن الملعب الإيراني.
وفي تجسيد على هذا الانفصام كتبت الوكالة تقول: "تتكرر مشاهد مأساوية في الولايات المتحدة، لعنف الشرطة ضد بعض الأقليات، ليس آخرها جورج فلويد، لكنها الحادثة التي هزت المياه الراكدة. ختم فلويد حياته بعبارة موجعة: (لا أستطيع التنفس)، لتكون دالة على حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون من أعراق مختلفة".
وكانت مهسا أميني مع عائلتها خلال زيارة إلى طهران من منزلها في كردستان شمال غرب البلاد عندما ألقي القبض عليها بتهمة انتهاك قانون الحجاب، الذي دخل حيز التنفيذ عام 1981، ولطالما تحدته العديد من النساء في إيران.
وتُوفيت أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على احتجازها لدى شرطة الأخلاق، المسؤولة عن تطبيق الأحكام الصارمة، وأصدرت قوات الأمن الإيرانية بيانا تقول إن أميني انهارت جراء أزمة قلبية بمركز الاحتجاز بينما كانت تتلقى تدريبا على أحكام الحجاب.
وعارضت عائلتها هذا الادعاء، قائلة إنها كانت بصحة جيدة قبل اعتقالها، بحسب تقارير إخبارية.
ويقول محللون إن وفاة أميني ستمنح الجرأة للمزيد من النساء على تحدي الحكومة فيما يتعلق بقيود الملبس، حتى لو خفتت شعلة الاحتجاجات التي امتدت إلى معظم أقاليم إيران البالغ عددها 31 إقليما أو تم القضاء عليها.
وكالة مهر الإيرانية لم تذهب بعيدا أيضا عن نفس المعالجة، فبعد أن عددت تضحيات رجال الأمن في مواجهة عمليات التهريب وحفظ النظام وتأمين زيارات كربلاء، حذرت من مشاهد هجوم من وصفتهم بـ"مثيري الشغب" على أفراد الشرطة ومعداتهم ومركباتهم.
وقارنت الوكالة الرسمية بين "حشمة وصبر" الشرطة الإيرانية "المثالية" وتعامل الأمن الأمريكي - باعتبار الولايات المتحدة مهد الحرية - مع جورج فلويد والمظاهرات التي حلت بعدها في 2020، حيث سجلت البلد أسوأ مواجهات بين المتظاهرين والشرطة في حركة وول ستريت.
واختتمت "مهر" تقريرها بالقول: "هؤلاء المشاغبون في الأيام الأخيرة في إيران يريدون شرطة مثل شرطة الولايات المتحدة، وليس رجالا نبلاء من قوة الشرطة الإيرانية.. فجريمة هؤلاء المشاغبين هي خطيئة النسيان".
وفي محاولة لدس السم في العسل، حذر صلاح الدين هرساني، المحلل السياسي الإيراني، من المظاهرات الهادفة لزعزعة استقرار المجتمع الإيراني وجعله غير مستقر، والتي ستقابل برد فعل سلبي من قبل النظام.
والاحتجاجات الحالية في إيران هي الأوسع منذ مظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 التي نجمت عن ارتفاع أسعار البنزين في خضم الأزمة الاقتصادية، وشملت حينها حوالي مئة مدينة إيرانية وتعرضت لقمع شديد (230 قتيلا بحسب الحصيلة الرسمية، وأكثر من 300 حسب منظمة العفو الدولية).
وبحسب حصيلة رسمية غير مفصّلة تشمل متظاهرين وعناصر أمن، قتل 41 شخصا خلال الاحتجاجات المتواصلة منذ عشرة أيام. لكن الحصيلة قد تكون أكبر، حيث أعلنت منظمة "إيران هيومن رايتس" غير الحكومية التي تتخذ من النرويج مقرا، الإثنين، أن عدد قتلى الاحتجاجات وصل إلى 76 شخصا على الأقل.
أحدثت الاحتجاجات صدعا آخر في الجمهورية الإسلامية رغم خبرتها في التعامل مع الاضطرابات التي سببها الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، حيث فجرت غضب النساء المكتوم.
وما بين هذا وذاك فثمة فارق بين تطبيق يد العدالة بين واشنطن وطهران، فقضية فلويد انتهت في يوليو/ تموز الماضي بإدانة شرطيين بالسجن لعدم تدخلهما في أثناء مقتل المعتقل فلويد، بينما استبق وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، نتائج التحقيقات بإعلانه أن الشرطة في إيران غير مسؤولة عن وفاة مهسا أميني.