سعت إيران لتوظيف خطابها السياسي والإعلامي بالزعم أنها تملك قوة مكنتها من إسقاط طائرة أمريكية مسيرة واحتجاز ناقلة النفط البريطانية.
ستستمر المناورات الإيرانية قائمة طالما ظل التردد الأمريكي الحالي في التعامل مع المواقف الإيرانية الحالية في الإقليم بأكمله، وليس في منطقة الخليج العربي، خاصة أن إيران سعت ومنذ بدايات الأزمة لتوظيف واستثمار كل الأوراق التي تملكها، ونجحت في تشعيب المواجهة مع الولايات المتحدة من جانب ومع دول الاتحاد الأوروبي وروسيا من جانب آخر.
الرسالة الواضحة في المراوغات الإيرانية الأخيرة أن إيران تنقل مساحات المواجهة لدوائر أخرى سياسية واستراتيجية لتخفيف حالة الضغوط الداخلية والخارجية معا، وهو ما يجب الانتباه إليه خاصة مع استمرار التقاعس الأمريكي عن اتخاذ إجراءات حاسمة والاكتفاء بما طرح في مشروع التحالف الدولي لمواجهة التهديدات الإيرانية
والشاهد أن إيران اتجهت تدريجيا إلى التحلل من التزاماتها النووية بمقتضى الاتفاق النووي مع الدول الأوروبية، وفي ظل صمت دولي، وعجز من الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اتخاذ موقف حاسم بعد فشل اجتماع فيينا الأخير في طرح رؤية ملزمة على الجانب الإيراني، وبقي إحالة الملف النووي بأكمله إلى مجلس الأمن مستبعدا على الأقل في الوقت الراهن، في ظل تحركات داعمة بصورة أو بأخرى من الترويكا الأوروبية، التي ما تزال ترى أن السلوك الإيراني -رغم كل ممارساته السلبية- يمكن أن يتحسن ويستمر، ورغم عدم وجود شواهد حقيقية لإمكانية مراجعة السياسة الإيرانية لمواقفها، والكف عن تبني استراتيجية عدوانية ومعادية، استهدفت بالأساس هز الاستقرار في الإقليم بأكمله؛ تغطية على ما يجري في الداخل الإيراني من تطورات حقيقية تتعلق بحالة الحراك المجتمعي والسياسي.
لقد سعى النظام الإيراني للتغطية على ما يجري في الداخل من أحداث بدليل القبض على رئيس منظمة الخصخصة في إيران بوري حسيني بتهم تتعلق بقضايا فساد مالي، وتأكيدات رضا زاكاني وهو سياسي أصولي بارز عن ملفات فساد مالي ضخمة تقف خلفها شخصيات كبيرة في القضاء والحكومة والبرلمان، والغريب أنه عرض ذلك في التلفزيون الإيراني. كما ألقى القبض على المنظر الأصولي البارز حسن عباسي بعد إدانته في قضية اتهام وزير الأمن الإيراني بالارتباط مع موقع أمد المعارض للنظام، كما باتت إيران من أعلى دول العالم في تنفيذ أحكام الإعدامات، وهناك عشرات أخرى من الأمثلة التي وقعت داخليا وتشير لما يجري سلبيا في إيران وتلقي بتبعاتها على السلوك الإيراني في الخارج.
والغريب والمثير دخول عدد من رجال الدين على خط الموقف الرسمي الإيراني أيضا وتبني خطاب إعلامي، وهو ما أكده خطيب جمعة طهران مؤخرا أن إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة تم تدميرها بواسطة صاروخ محلي من إنتاج إيران (صاروخ بوك إم 1 يسمى في إيران خرداد 3 أصبح محلي الصنع)، كما دخل على الخط رئيس اللجنة النووية بالبرلمان الإيراني محمد إبراهيم رضائي، وتأكيده أن إيران ستقوم بتشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي. وفي ظل تأكيدات دولية أن إيران تعمل على تعزيز قواتها بمنظومة باور 373 الصاروخية، وأن إيران -كما تسوق- على وشك تصنيع محركات الطائرات والمروحيات وفق المواصفات العالمية، كما استمر الخطاب الإيراني في التهديد بإغراق السفن الإسرائيلية، في رسالة لها مغزاها بالعمل على توسيع مجال الحركة والتحرك ليس تجاه الولايات المتحدة وبريطانيا وإنما إسرائيل.
وخارجيا، سعت إيران لتوظيف خطابها السياسي والإعلامي بصورة لافتة، وهو ما برز في التأكيد على أن إيران تملك قوة مكنتها من إسقاط طائرة أمريكية مسيرة واحتجاز ناقلة النفط البريطانية، بل زايدت إيران بالتأكيد على أنها لم تقدم أي تعهدات أو ضمانات مكتوبة بشأن الإفراج عن الناقلة جريس 1 أو وجهتها منذ البداية، وأن الناقلة لم تكن متوجهة إلى سوريا رغم ما أكده بيان الخارجية الأمريكية، الذي أشار إلى مساندة الحرس الثوري الإيراني بنقل النفط من إيران إلى سوريا، لكن هل هذا البيان يكفي للتأكيد على عدم جدية منظومة العقوبات الأمريكية على إيران، والتي تتباهى بها الإدارة الأمريكية، وتراهن على نجاحها بدون جدوى؟
الرسالة الواضحة في المراوغات الإيرانية الأخيرة أن إيران تنقل مساحات المواجهة لدوائر أخرى سياسية واستراتيجية لتخفيف حالة الضغوط الداخلية والخارجية معا، وهو ما يجب الانتباه إليه، خاصة مع استمرار التقاعس الأمريكي عن اتخاذ إجراءات حاسمة والاكتفاء بما طرح في مشروع التحالف الدولي لمواجهة التهديدات الإيرانية بصورة جدية، وهو ما قد يأخذ بعض الوقت رغم ما قامت به الإدارة الأمريكية من تدابير وإجراءات بحرية مؤخرا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة