شواهد عدة للخوف والقلق الإيراني، أولها ينبع من عدم قدرة طهران على فهم شخصية الرئيس ترامب غير التقليدية
رغم كل التهديدات والتصريحات والحديث عن "أسلحة سرية" فإن أي تحليل معمق لمجمل المواقف والتصرفات التي يقوم بها النظام الإيراني يشير إلى أن هناك قلقا عميقا يجتاح النظام الإيراني حيال الخطط الأمريكية في المرحلة المقبلة.
على قدر تعقيد الأوضاع في منطقة الخليج العربي، وعلى قدر ما يبديه النظام الإيراني من رباطة جأش ظاهرية، فإن تحليل مواقفه ووفوده ومبعوثيه المنتشرين في دول المنطقة والعالم يعكس خوفاً وقلقاً عميقاً ورغبة في تفادي سيناريو الحرب، الذي يدرك النظام الإيراني جيداً أنه سيطوي صفحته نهائياً من تاريخ المنطقة
هناك شواهد عدة للخوف والقلق الإيراني، أولها ينبع من عدم قدرة النظام الإيراني على فهم شخصية الرئيس ترامب غير التقليدية، التي لا يمكن أبداً أن تتمرس وراء موقف محدد أو ثابت، فالرئيس الأمريكي ليس سياسياً تقليدياً، بمعنى أن يبدي موقفاً ثابتاً لا يحيد عنه في قضية من القضايا، بل إنه يغير أفكاره ويتنقل بين المواقف كما يتنقل بين قطع الشطرنج، ولا يجد أي غضاضة في أن يدعو النظام الإيراني للحوار صباحاً ثم يطالب بتحريك القوات الأمريكية باتجاه إيران مساء، هذه السمات الشخصية الفريدة التي تميز أداء الرئيس ترامب تجعله كتاباً صعب الفهم بالنسبة للنظام الإيراني، الذي يجيد فنون المراوغة والالتفاف والمناورة والتفاوض، ولكنه لم يتمكن -حتى الآن- من فك طلاسم شخصية الرئيس ترامب والتعامل معه، بما يضمن للنظام الإيراني تحقيق أهدافه الاستراتيجية في الصراع المزمن مع الولايات المتحدة.
وأرى أن أخطر ما في تكتيك الرئيس ترامب حيال إيران في المرحلة الراهنة هو إصراره على الحديث عن دعوة النظام الإيراني للتفاوض، فرغم أن هذه الدعوة تبدو للبعض نوعاً من التراجع الأمريكي فإنني أراها ورقة قوية للغاية بيد الرئيس ترامب؛ لأنها تشق صف القيادة الإيرانية، وستسبب بمرور الوقت في إحداث وقيعة بين قادة النظام وأجنحته المختلفة، التي تتفق في خشيتها على مصير النظام، ولكنها تختلف حول أسلوب تحقق ذلك، إذ لا يجب تجاهل أن هناك تياراً سياسياً واسعاً داخل إيران يؤمن بالحوار مع الولايات المتحدة، حتى وإن أخفى هذا التيار رغبته في الوقت الراهن خشية القمع في ظل تصاعد نبرة الحرب والمقاومة، وعودة شعار "الموت لأمريكا" إلى واجهة السلطة الإيرانية.
والشاهد الثاني للقلق الإيراني يتمثل في موقف الشعب الإيراني، الذي تفصله هوة واسعة عن نظامه، فلولا القبضة الحديدية التي تحكم الإيرانيين لما استطاع هذا النظام البقاء في الحكم حتى الآن، ومن ثم فإن القادة الإيرانيين يدركون أن استمرار الضغوط الاقتصادية الأمريكية بالوتيرة الحالية نتيجتها ستكون أقسى من الحرب، وأنها ستفتح الباب لثورة الشعب الإيراني على نظامه.
والشاهد الثالث للخوف الإيراني هو تراجع وتبدل مواقف كل من راهن عليهم النظام الإيراني في معارضة العقوبات الأمريكية وانصياعهم للعقوبات هذه المرة، وتخليهم عن شراء النفط الإيراني، فلا يمكن تجاهل موقف الصين وتركيا وكل من راهنت عليهم إيران في معارضة حظر تصدير النفط الإيراني، وهي إشارة قوية تعني أن إيران تقف بمفردها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، وأن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه طهران من أصدقائها هو التعاطف، وربما السعي للوساطة وتقريب وجهات النظر وليس المساندة والدعم العسكري ولا حتى السياسي.
صحيح أن هناك عوامل وحسابات استراتيجية كثيرة تحد من قدرة الولايات المتحدة على شن حرب ضد إيران، أو على الأقل تجعل قرار الحرب الخيار الأخير للإدارة الأمريكية، ولكن تأثير هذه العوامل يبقى رهن الاستراتيجية التي يمكن أن تدار بها الحرب، فكل التحليلات والتقارير تتحدث عن حرب تقليدية، يمكن لأدوات إيران التقليدية مثل المليشيات والصواريخ الباليستية وغير ذلك أن تلعب دوراً فيها، ولكن الواضح أن نهج الحروب التقليدية تراجع كثيراً لمصلحة خطط وأدوات واستراتيجيات غير تقليدية، وهذا بحد ذاته من بين العوامل التي تقض مضاجع النظام الإيراني، الذي يخشى أن يواجه حرباً أمريكية غير تقليدية لا تستطيع المليشيات والأذرع الإيرانية أن تؤدي دوراً في مسارح عملياتها.
على قدر تعقيد الأوضاع في منطقة الخليج العربي، وعلى قدر ما يبديه النظام الإيراني من رباطة جأش ظاهرية، فإن تحليل مواقفه ووفوده ومبعوثيه المنتشرين في دول المنطقة العالم يعكس خوفاً وقلقاً عميقاً ورغبة في تفادي سيناريو الحرب الذي يدرك النظام الإيراني جيداً أنه سيطوي صفحته نهائياً من تاريخ المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة