لا يكفي أن تعلن الإدارة الأمريكية دعمها الكبير للسعودية ولدول المنطقة، خاصة أنها تعلم أن التردد قاد بالفعل إلى التمادي الإيراني الكبير.
تخسر الولايات المتحدة أوراقا جديدة في إطار تحركاتها الراهنة تجاه إيران، خاصة مع سوء التقدير الراهن في التعامل مع التمدد الإيراني في الإقليم؛ حيث أعلنت أنها تُعدّ ردا على الهجوم غير المسبوق الذي استهدف منشأتين نفطيتين في السعودية، وفاقم المخاوف من حصول مواجهة عسكرية مع إيران التي اتهمتها واشنطن بالوقوف وراء الاعتداء الذي كشفت فيه السعودية أن الأسلحة المستخدمة فيه إيرانية.
في هذا الإطار تتحرك الولايات المتحدة بارتباك وتردد واضح بصرف النظر عن مواقف وتوجهات الإدارة والرئيس ترامب من التعامل مع الجانب الإيراني؛ حيث كتب ترامب على تويتر "لا نحتاج إلى نفط أو غاز الشرق الأوسط، لدينا في الحقيقة عدد قليل جداً من الناقلات هناك، لكننا سنساعد حلفاءنا، واتخاذ أي قرار بهذا الشأن سيتطلب دورا سعوديا كبيرا"، فيما أكد ولي العهد محمد بن سلمان أن التهديدات الإيرانية ليست موجهة ضد السعودية فحسب، وإنما تأثيرها يصل إلى الشرق الأوسط والعالم، خاصة أنه قد سبق وأن تعرّضت منشآت نفطية سعودية لهجمات خلال الأعوام الأخيرة، إلا أنّ الهجمات على معمل بقيق وحقل خريص في الشرق مختلفة من حيث حجمها ووقعها.
وفي المقابل اتسمت التحركات الإيرانية بالتصعيد والترقب مع رسم سيناريوهات للتعامل، وهو ما اتضح منذ بدايات الأزمة، فمع عدم التقبل الإيراني اللافت لخطورة إقالة مستشار الأمن القومي جون بولتون، وعدم تفهم أبعادها، ولو بلفتات دبلوماسية واستمرار التصعيد الواضح إلى التأكيد على أن إيران لن تقبل إلا برفع العقوبات مرورا باستهداف السعودية مؤخرا، مما سيكون له تبعات عديدة على أمن الدول العربية، وسيمس مصالح الدول الكبرى أيضا.
ولعل دعم إيران التيار الحوثي ما يدفعه لتكرار ما قام به من خطوات عدوانية مما سيدخل المنطقة في سيناريوهات صفرية، ما لم يكن هناك وقفة حقيقية في التعامل مع إيران بالأساس، خاصة مع طرح سؤال مهم: من أين خرجت الطائرات والصواريخ لضرب المنشآت البترولية؟! فلو خرجت من اليمن فهي عبرت مسافة تقارب ١٥٠٠كم وكذلك الحال من إيران أو الأراضي العراقية.
في هذا السياق لا يكفي هنا أن تعلن الإدارة الأمريكية دعمها الكبير للسعودية ودول المنطقة، خاصة أنها تعلم بأن التردد والارتباك منذ البداية هو الذي قاد بالفعل إلى التمادي الإيراني الكبير في مواجهة ما يجري، فالولايات المتحدة التي تتحدث عن تفعيل العقوبات على الجانب الإيراني والضغط على السياسة الإيرانية لمراجعة سلوكها هي ذاتها التي ما تزال تعمل على استيعاب إيران، وإعادتها للتفاوض مجددا على الاتفاق النووي وفقا لحسابات أمريكية مع إمكانية البحث في البرنامج الصاروخي الذي يمثل خطرا لا يمكن استثناؤه من أية حسابات سياسية حقيقية، خاصة أن الخطر واحد والتهديد واحد.
ولهذا أيضا فإن ما يجري في الخليج يمثل أيضا تهديدا لأمن الملاحة البحرية إقليميا ودوليا، وهو ما تدركه الولايات المتحدة بصورة مباشرة، ولكنها -نتيجة سياستها القائمة على أنصاف الحلول- منحت إيران القدرة على المناورة، واتبعت نموذجا للمناورة والمساومة معا، بل إعادة تدوير السياسات والحسابات، وهو مشهد متكرر منذ عدة أشهر، وقد ينذر بالخطر الداهم على الملاحة الدولية والتأثير على حركة النفط والاستثمارات في العالم.
ورغم إعلان الولايات المتحدة استبعادها أي إعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران لتسهل على أوروبا منحها خطا ائتمانيا قيمته 15 بليون دولار، واعلان وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات تستهدف شبكة النقل البحري المتهمة ببيع نفط في شكل غير قانوني، واشتمال هذه العقوبات على 16 كيانا و11 سفينة و10 أفراد تحت مسمى أن هذه الشبكة يقودها فيلق القدس وحليفه حزب الله تصب في إطار محدود، ورصد مكافأة مالية تصل إلى 15 مليار دولار، لن يقدم ذلك معلومات تسهم في استهداف العمليات المالية للحرس الثوري وفيلق القدس.
إذن على الإدارة الأمريكية إن كانت جادة في دعم أمن الإقليم بأكمله وتأمين الملاحة البحرية في الممرات الدولية فعليها أن تنتقل من الإجراءات المرحلية والروتينية لمرحلة أكثر جدية وتأثيرا، ويبقى السؤال مطروحا: متى تكون الرسائل الأمريكية رادعة لإيران في الخليج؟ وهل يمكن استهداف المنشآت الإيرانية في المقابل، أم أن إيران ستستمر في العمل من وراء ستار الوكلاء لتهديد أمن الدول العربية؟
إن الإدارة الأمريكية تحتاج إلى رسائل حازمة، ومواقف عربية مباشرة كي تقدم على التصدي للعابثين بأمن المنطقة بأكملها، إن أرادت أن تبقي حليفا للدول العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة