لماذا تدافع إيران عن جماعة الإخوان الإرهابية؟
معارضة إيران لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية ترتبط بشكل مباشر بدفاع طهران عن تنظيم الحرس الثوري الإرهابي.
ربما يمكن القول إن الموقف الإيراني المعارض للقرار المحتمل الذي قد تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية يكتسب أهمية وزخما خاصا من توقيته.
العلاقة بين الملالي الذين يحكمون إيران الآن والإخوان تعود إلى فترة ما قبل اندلاع ثورة الخميني عام 1979، حيث كانت الجماعة رافدا أساسيا ساعد على تكوين التوجهات الأيديولوجية للنظام الإيراني الذي تحول فيما بعد إلى "نموذج" سعت الجماعة بدورها إلى الاحتذاء به.
لكن ذلك لا ينفي أن هذا المستوى من التصعيد الإيراني ضد واشنطن بسبب موقف الأخيرة من الإخوان لا يمكن فصله سواء عن التوتر القائم بين طهران وواشنطن حول الملفات الخلافية العالقة فيما بينهما أو عن التنسيق المتواصل بين أضلاع المحور الثلاثي الداعم للإخوان والتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول المنطقة، والذي يضم قطر وتركيا.
دفاع متقدم
رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحدد بعد نطاق وتوقيت اتخاذ هذا القرار، بما يعني مدى إمكانية شموله لكل أفرع الإخوان من عدمه والفترة التي سيتحول فيها إلى خطوات إجرائية على الأرض، فإن إيران سارعت إلى التحول كطرف رئيسي في التفاعلات التي جرت حوله، على نحو يكشف إلى حد كبير عن مستوى العلاقات القائمة بين الطرفين.
ويبدو من مجمل ردود الفعل الإيرانية أن إيران تعتبر أنها أحد المستهدفين من هذا القرار المحتمل. إذ إن الإعلان عنه جاء بعد نحو ثلاثة أسابيع من تصنيف إدارة الرئيس دونالد ترامب الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية. ومن هنا، سعت إيران إلى انتقاد الخطوة الأمريكية المحتملة إزاء الإخوان في سياق محاولاتها الدفاع عن نفسها بعد وضع القسم الأهم من مؤسستها العسكرية ضمن قوائم الإرهاب.
وقد بدا ذلك جليا في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 1 مايو/أيار 2019، والتي قال فيها إن "الولايات المتحدة ليست في وضع يؤهلها لأن تبدأ في تصنيف الآخرين كمنظمات إرهابية ونحن نرفض أي محاولة أمريكية تتعلق بهذا الأمر".
وهنا، فإن المسألة لا تتعلق فقط بتنظيم الإخوان الإرهابي، رغم أهمية ذلك بالطبع، وإنما تتصل أيضا بالحرس الثوري، الذي تعول عليه إيران بشكل كبير في تعزيز دورها في المنطقة وتمددها داخل بعض دولها، وتبدي مخاوف عديدة من أن القرار الأمريكي سوف يضع عقبات تحول دون ممارسة "الباسدران" للأدوار نفسها التي يقوم بها منذ عقود عديدة.
توسيع الخيارات
ربما لا يمكن استبعاد أن يكون دفاع طهران عن الإخوان في هذا التوقيت محاولة من جانبها لتوسيع هامش الخيارات المتاح أمامها للتعامل مع الضغوط التي تفرضها الإجراءات العقابية التي تتخذها الإدارة الأمريكية الحالية تجاهها. وبعبارة أخرى، فإن طهران قد تكون في وارد رفع مستوى تنسيقها ودعمها للإخوان في دول عديدة بالمنطقة ليس فقط لتكريس تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وإنما للإشارة أيضا إلى قدرتها على استقطاب مزيد من "الحلفاء" في سياق ما تروج له من مزاعم حول قيادتها لما يسمى "محور المقاومة" الذي تدعي أنه تأسس ليواجه السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
ومن هنا، كان لافتا أن ظريف حرص على الربط بين دفاعه عن الإخوان والدعم الذي تقدمه واشنطن إلى إسرائيل، في إطار انتقاده للخطوة الأمريكية المحتملة ضد التنظيم، بما يعني أن إيران ما زالت مصرّة على استخدام العنوان الفضفاض نفسه، وهو مواجهة إسرائيل، في إطار محاولاتها تبرير أدوارها الإقليمية التخريبية وتأسيس علاقات مع التنظيمات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، رغم أنها كانت حريصة باستمرار على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي وجهت، على سبيل المثال، ضربات عسكرية عديدة لمواقعها في سوريا دون أن تتلقى ردودا عليها. ورغم أنها توصلت إلى تفاهمات مع واشنطن وتل أبيب في مراحل عديدة، كان أبرزها خلال فترة الحرب مع العراق.
فضلا عن ذلك، لا ينفصل موقف إيران من تنظيم الإخوان عن محاولاتها الرد على الانتقادات التي تتعرض لها بتبني سياسة طائفية تقوم على تقديم دعم متواصل للعديد من المليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول المنطقة، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن. إذ كان لافتا أن إيران كانت ترد على ذلك بالإشارة إلى أنها حريصة على دعم بعض التنظيمات الإرهابية التي لا تتبنى مذهبها، وهي ادعاءات لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تكشف عن أن هذا الدعم كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم الأزمات الإقليمية وعرقلة الجهود التي بذلت للوصول إلى تسوية سياسية لها.
تنسيق متواصل
من دون شك، لم يكن اختيار جواد ظريف للدوحة من أجل الإدلاء بتلك التصريحات مصادفة. إذ إن هذا الاختيار تحديدا يطرح دلالة رئيسية تتمثل في أن إيران تحاول توجيه رسائل مباشرة بأنها ما زالت مصرّة على رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني مع حلفائها، خاصة قطر وتركيا، اللتين تربطهما علاقات قوية مع تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي يعد إحدى الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الدولتان للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتهديد أمنها واستقرارها.
وهنا، فإن التصريحات التي أدلى بها ظريف في الدوحة خلال مشاركته في اجتماع حوار التعاون الآسيوي تمثل، في قسم منها، محاولة إيرانية للتماهي مع المواقف التي تبنتها أنقرة والدوحة إزاء الإجراءات العقابية التي اتخذتها واشنطن تجاه طهران.
فمن أنقرة، انتقد وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو، في 9 أبريل ٢٠١٩، القرار الأمريكي بإدراج "الباسدران" على قوائم التنظيمات الإرهابية. كما اعترضت الدولتان على قرار واشنطن بعدم تجديد المهلة التي منحتها لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني، في سياق محاولاتها الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى المستوى صفر، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في 2 مايو الجاري.
هذه المواقف تشير في مجملها إلى أن المحور الثلاثي الذي يضم إيران وقطر وتركيا بات يعتبر أن الإجراءات المتتالية التي تتخذها الإدارة الأمريكية في ملفات عديدة تفرض ضغوطا لا تبدو هينة وتضعه أمام خيارات محدودة، بداية من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران، مرورا بتصنيف "الباسدران"، وربما الإخوان في مرحلة لاحقة، كمنظمات إرهابية، وانتهاء بالتهديد بفرض عقوبات على من يواصل التعاملات التجارية والمالية مع إيران، أو يحاول الحصول على أسلحة نوعية من روسيا، في إشارة تحديدا إلى تركيا، التي دخلت في خلافات قوية مع الإدارة الأمريكية بسبب صفقاتها المحتملة مع موسكو، خاصة منظومة صواريخ "إس 400".
وبالطبع، فإن هذا المحور الثلاثي يرى أن هذه الخطوة، في حالة تحققها، سوف تدعم الجهود التي تبذلها القوى الإقليمية الداعية لمكافحة الإرهاب والداعمة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
عواقب منتظرة
فضلا عن ذلك، فإن ثمة مخاوف عديدة تنتاب طهران من أن الخطوة الأمريكية المحتملة يمكن أن تضع مزيدا من العقبات التي قد تخصم من قدرتها على احتواء التداعيات التي تفرضها العقوبات الأمريكية عليها. إذ تراهن طهران على أنها ربما تستطيع استيعاب تلك التداعيات عبر آليات عديدة، على غرار مواصلة التعاملات الثنائية مع حلفائها، لا سيما قطر وتركيا.
وهنا، فإن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية سوف يرتب بالتبعية إجراءات قانونية عديدة يمكن أن تقلص من أهمية ودور هذه الآليات. وبمعنى آخر، فإن النفوذ الاقتصادي الذي تحظى به الجماعة داخل كل من قطر وتركيا قد يتحول إلى عائق جديد للتعاملات الثنائية، المالية والتجارية، التي قد تجري مع جهات إيرانية، باعتبار أن الشركات والهيئات التابعة للجماعة ربما تكون أحد الأطراف التي تنخرط في مثل تلك التعاملات.
ويكتسب هذا الاحتمال أهميته في ضوء تعويل إيران على علاقاتها مع أنقرة والدوحة تحديدا لتعزيز قدرتها على مواجهة العقوبات الأمريكية، خاصة أن أنقرة كانت أحد الأطراف التي ساعدت إيران بالفعل على احتواء تداعيات العقوبات الدولية التي تعرضت لها في الفترة من عام 2012 وحتى عام 2015، قبل أن تصل إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو/تموز 2015، والذي رفعت بمقتضاه تلك العقوبات، لدرجة أن هذا الدور تسبب في اندلاع أزمة مع واشنطن، بعد أن أدان القضاء الأمريكي، في 3 يناير/كانون الثاني 2018، محمد أتيلا، مساعد المدير العام السابق لبنك "خلق" الحكومي، بالمشاركة في مخطط لمساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات الدولية، بعد الكشف عن قضية رجل الأعمال التركي الإيراني رضا ضراب، الذي اتهم بدوره مسؤولين أتراكا بالتورط في هذا المخطط.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن تعزيز التعاون مع الإخوان سوف يتحول إلى عنوان رئيسي في سياسة إيران خلال المرحلة القادمة، ليس فقط بسبب التماهي الأيديولوجي بينهما، القائم على محاولة البقاء في السلطة أو الوصول لها عبر أدوات مثل التجنيد والاستقطاب، وإنما أيضا على ضوء تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها بسبب أدوارها التخريبية في المنطقة، وهي الضغوط نفسها التي تواجهها كل من قطر وتركيا، في ظل تشابه سياسات وأدوات الدول الثلاث، خاصة ما يتعلق بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعم الإرهاب.
**الدكتور محمد عباس ناجي
رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
aXA6IDE4LjExOC4yMjYuMTY3IA== جزيرة ام اند امز