" الإخوان الإرهابية".. بين الشتات وإشكالية الانشقاق
يواجه تنظيم الإخوان الإرهابي أسوأ مراحله التاريخية على الإطلاق بين مطرقة الشتات وسندان الانشقاق
جاء إعلان الإدارة الأمريكية في أواخر أبريل/نيسان الماضي العمل على إدراج جماعة الإخوان الإرهابية على القائمة الأمريكية الخاصة بالجماعات الإرهابية الأجنبية، ليُعزِّز من موجة الرفض الدولي المتصاعد تجاه التنظيم، خاصة مع قيام بعض الدول في الآونة الأخيرة بتوقيف أو ترحيل بعض الأفراد المنتمين للتنظيم الإرهابي في ظل اتهامات لهم بالعنف والإرهاب، وهو ما يضع مستقبل الجماعة على المحك.
يأتي التوجه الأمريكي نحو إدراج جماعة الإخوان الإرهابية على قائمة الإرهاب عقب زيارة قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن يومي 9 و10 أبريل/نيسان الماضي، وأكد خلال زيارته موقف مصر الثابت من اعتبار تنظيم الإخوان جماعة إرهابية منذ عام 2013، وهي رؤية تتماشى مع سعي الإدارة الأمريكية إلى محاصرة التنظيمات الإرهابية حول العالم ووقف مصادر تمويلها.
وفي حال تمَّ إدراج الولايات المتحدة تنظيم الإخوان كجماعة إرهابية فإن ذلك من شأنه إمكانية فرض عقوبات على أي شخص أو شركة أو مؤسسة تنتمي للتنظيم الإرهابي أو حتى أي جماعة ذات صلة بها، وهو ما يعني محاصرة التنظيم ووقف تدفق التمويل الذي يعد شريان الحياة بالنسبة لأي تنظيم إرهابي في العالم.
وفي أول ردّ فعل على الموقف الأمريكي، جاء الموقف التركي ممتعضاً ومستاء من هذا التوجُّه الأمريكي، حيث قال "عمر جليك"، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، إن تلك الخطوة الأمريكية المرتقبة "خطيرة وستكون بمثابة دعم لتنظيم الدولة"، كما اعتبر "جليك" أن ذلك من شأنه أن يعزز من معاداة الإسلام في الغرب، وهو ما يعكس الارتباك التركي الكبير في ظل الارتباطات المنفعية والبرجماتية بين أردوغان والإخوان.
سقوط المشروع الإخواني "الفاشل" في السودان
شكلت الثورة السودانية ضد نظام حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير رفضاً كبيراً للمشروع الإخواني في البلاد، والذي استمر لـ3 عقود كاملة، فشل فيها النظام الإخواني في الحفاظ على وحدة الأراضي السودانية، وتمخض عن أدائه تراجع في الأحوال المعيشية والأمنية بشكل لم يسبق له مثيل، ومن ثم فإن ثورة الشعب السوداني كانت موجهة بالأساس ضد النموذج الإخواني في الحكم، وهو ذاته النموذج الذي فشل في مصر عام 2013.
وأدى المشروع الإخواني الفاشل بالسودان إلى أن تحتل الدولة مراتب متأخرة على كافة المؤشرات المتعلقة بالأمن والاستقرار، وهو ما انعكس على وضع السودان في مؤشر الدول الهشة لعام 2019، حيث جاءت ضمن أسوأ 10 دول في العالم وفقاً لتدني وظائف إدارة الحكم، وتعدُّد الأزمات الداخلية والخارجية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، جنبًا إلى جنب مع تفشي الفساد السياسي والمالي بشكل كبير.
تركيا.. حصن الإخوان الذي يخذلهم
تقاربَ الهوى التركي مع الهوى الإخواني عقب فشل الإخوان الذريع في مصر عام 2013 حتى باتت تركيا هي الملاذ الأول للجماعة الإرهابية، ويمكن فهم ذلك في ضوء الماضوية الشديدة التي يقوم عليها فكر أردوغان وكذلك فكر الإخوان، فكلاهما مُغرق في تمجيد الماضي البعيد المتمثل في تمنيّات عودة دولة الخلافة المزعومة رغم تغيُّر التاريخ باختلاف السياقات الزمنية وتبدُّل الجغرافيا ببروز الدول الوطنية.
ومؤخراً فشل الحصن الأردوغاني في حماية التنظيم الإرهابي، عندما قامت السلطات التركية في فبراير الماضي بتسليم شاب إخواني إلى مصر مدان بقتل النائب العام المصري المستشار هشام بركات، بعد أن منعته السلطات التركية من الدخول إلى إسطنبول فعاد إلى القاهرة مُكبّلًا مَحني الظهر في وجهه علامات القلق والتوتر.
ولقد أدت تلك الواقعة إلى استنفار الإخوان رعبا من المصير نفسه، لأن تركيا تحتضن الكثير من شباب وقيادات الجماعة المتهمين في قضايا إرهابية والمحكوم عليهم بأحكام متعددة، وخرجت القيادات الإخوانية لتهدئة شباب الإخوان المفزوع، وكذلك أعلن ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، عن فتح تحقيق في الأمر من أجل طمأنة الجماعة الإرهابية القلقة.
دول أخرى تلفظ الإخوان
في 9 مارس/آذار الماضي قامت السلطات الإيطالية باحتجاز شاب إخواني يُدعى "مصطفى راشد" صادر ضده حكم بالإعدام في مصر بسبب إطلاق النيران على متظاهرين ضد جماعة الإخوان عام 2013 مما تسبب في مقتل أحد الأشخاص، وأيدت محكمة النقض المصرية الحكم الصادر عليه بالإعدام.
وخضع الشاب لجلسات تحقيق مطولة مع السلطات الإيطالية قبل أن توافق على عدم ترحيله إلى مصر وبقاؤه في إيطاليا لمدة ستين يوماً من أجل تقديم ما يثبت تعرضه لاضطهاد سياسي، وتقديم كل ما يفيد بعدم تورطه في قضايا عنف لمنع ترحيله إلى مصر، وهو ما سوف يفشل فيه بالضرورة في ظل صدور أحكام نهائية ضده في مصر.
كما أعلنت ماليزيا بشكل رسمي في 10مارس/آذار الماضي عن ترحيل 5 أشخاص أعضاء في تنظيم الإخوان المحظور في مصر، واعترف هؤلاء بأنهم يقومون بإيواء ونقل وتشغيل عناصر إرهابية، ولذا قامت ماليزيا بطردهم كما أوصت بإدراجهم في القائمة السوداء لحظر دخولهم البلاد مدى الحياة.
ولا تقتصر عمليات الطرد والمطاردة لعناصر جماعة الإخوان الإرهابية على مَنْ تورط في قضايا عنف أو إرهاب، بل اتجهت بعض الدول إلى طرد المتعاطفين أو المنتمين للجماعة، لما لذلك من تأثير سلبي على شعوب تلك الدول، وهو ما قامت به المملكة العربية السعودية في مارس/آذار من العام الماضي، حين قامت باستبعاد عدد من المعلمين في المدارس السعودية وكذلك من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية بتهمة التأثر بأفكار جماعات محظورة ومصنفة إرهابية ومنها جماعة الإخوان الإرهابية.
قطر.. حماية مشروطة للجماعة الإرهابية
لم يكن مستغرباً أن يعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من الدوحة، في الأول من مايو/أيار الجاري، عن انتقاده الخطوة الأمريكية تجاه تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، وهي محاولة إيرانية تتقاطع مع الرغبة القطرية في حماية جماعة الإخوان الإرهابية.
وتأوي قطر العديد من قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، وتقدم لهم التمويل وتوفر لهم الحماية، وحاولت الدولة القطرية بكل قوتها وأذرعها الإعلامية بقاء الإخوان في حكم مصر في ظل موجات المظاهرات ضد الفشل الإخواني عام 2013، إلا أن تلك المحاولات باءت جميعها بالفشل بعد أن خرج الشعب المصري في مظاهرات شعبية ضخمة ضد الحكم الإخواني حتى تم إسقاطه في مصر.
واستمرت قطر في دعمها تلك الجماعة وغيرها من التنظيمات الإرهابية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، حتى تمَّ عزلها عن محيطها الخليجي والعربي في يونيو عام 2017، لتبدأ الدولة القطرية والتنظيم الإخواني يتشاركان الشعور بالمظلومية المزيفة.
وفي تحدٍّ صارخ للقوانين والأعراف الدولية ترفض قطر تسليم بعض قيادات وأفراد جماعة الإخوان الموجودين على أراضيها، على الرغم من قيام السلطات المصرية بتسليم قوائم الإرهابين المطلوبين لديها إلى الإنتربول الدولي، كما لجأت مصر إلى اتفاقية جامعة الدول العربية التي تنص على تبادل الهاربين، إلا أن قطر استمرت في موقفها الرافض تماماً لتسليم الإخوان الهاربين لديها.
إجمالاً يمكن القول إن الإخوان يعيشون أسوأ مراحلهم التاريخية على الإطلاق بين مطرقة الشتات وسندان الانشقاق، فالجماعة تواجه عمليات طرد وترحيل مستمرة من جانب بعض الدول، إلى جانب قيام الكثير من أفراد الجماعة بالخروج عن الجماعة والانشقاق عنها في ظل سياساتها البرجماتية والنفعية ومنهجها الفاشل.
وذلك الانشقاق لا يطول فقط الإخوان الهاربين في تركيا وقطر، في ظل وجود خلافات جوهرية بين شباب الإخوان وقياداتهم، بل بات الانشقاق يتبلور في عدة دول أخرى لعل آخرها انشقاق قياديين بارزين في تنظيم الإخوان في موريتانيا في أقل من شهر، أحدهما في فبراير الماضي والآخر في منتصف مارس/آذار الماضي.
ومن ثم فإن تبلور مواقف دولية متعددة قائمة على طرد واستبعاد الإخوان هو أمر يعكس مدى خطورة ذلك التنظيم الإرهابي على الأمن القومي للدول، علاوة على مدى تراجعه على الأرض، وهو ما يتجلّى بحدوث انشقاقات داخل التنظيم في أكثر من دولة إثر الأداء المتردي والفاشل على مدار السنوات الخمس الأخيرة بشكل خاص، وهو مقترن بشكل كبير بشيوع حالة من أزمات الثقة بين أفراد الجماعة وقياداتها، وهو ما سيكون له تبعات كبيرة على انحسار التنظيم خلال المرحلة المقبلة، خاصة إذا نجحت الإدارة الأمريكية بالفعل في تصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية.
aXA6IDE4LjIyNC42OS4xNzYg جزيرة ام اند امز