العراق 2016.. سقوط "داعش" وصعود "الحشد"
العراق يدخل عاما جديدا من الحرب على الإرهاب عقب عام دام، هيمنت عليه التحديات الأمنية.
يدخل العراق عاما جديدا من الحرب على الإرهاب عقب عام دام، هيمنت عليه التحديات الأمنية والتفجيرات الإرهابية والصراعات المسلحة، كما تنامى فيه خطر الطائفية تحدياً أكبر أمام بغداد، في ظل غلبة المكون الشيعي سياسياً وعسكرياً، وارتفاع وتيرة التناحر الطائفي والعرقي بالانتقام المتبادل، في دولة أنهكتها الصراعات والإرهاب، تخوض حرباً ضد أبشع التنظيمات الإرهابية في العالم بمسقط رأسه، ويبحث فيها السنة والأكراد والتركمان وغيرهم عن موطئ قدم متساو، بالقوة أحياناً كثيرة، وبالسياسة أحياناً أخرى.
كان 2016 عاماً فارقاً في حرب العراق على الإرهاب، إذ تواصلت انتصارات الجيش العراقي المدعوم من التحالف الدولي على التنظيم الإرهابي في أكثر من معقل، معركة الفلوجة كانت بداية النهاية الفعلية لداعش، فمنها خرجت الدعوة لدولة الإرهاب بالعراق والشام قبل أعوام، ومنها كانت معركة نهايته، ثم كانت الموصل، أكبر معارك الجيش العراقي منذ سنوات.
- الحشد الشعبي- انتصار طائفي
كان اليوم السبت 26 نوفمبر/تشرين ثان حين اعترف البرلمان العراقي بميليشيا الحشد الشعبي الطائفية ككيان شرعي ضمن الجيش العراقي في جلسة قاطعها السنة، مكافأة للجماعة المسلحة ذات الغالبية والولاء الطائفيين، على انتصاراتها على تنظيم داعش في معارك الموصل وتلعفر.
خلال أكثر من شهر، أعقبت بداية معركة استعادة الموصل من تنظيم "داعش"، قامت فصائل الحشد الشعبي الطائفية بتطهير منطقة كبيرة جنوب غربي المدينة من التنظيم الإرهابي لتحل محلها، وكذا مدينة تلعفر الحدودية مع سوريا لتقطع إمدادات داعش بين البلدين.
عكف الحشد في معاركه على تغيير ملامح القرى التي كان يعيش بها أعداد قليلة من السنة، واستقرار قواته هناك.
ويتساءل أهالي قرى الفلوجة والموصل ممن عاينو جرائم الحشد، ما الاختلاف بين مشاهد إعدام المعارضين حرقاً أو ذبحاً، التي ينفذها تنظيم داعش الإرهابي، وبين مشهد سحق طفل تحت عجلات دبابة تابعة للحشد الشعبي؟ بعد أن انتظروا طويلاً من يخلصهم من تنظيم داعش؛ فوجدوا أنفسهم أمام ميليشيات لا تقل ممارستها "اللا أخلاقية" عن داعش.
وكما لا تخفى العقيدة القتالية للحشد في معركته ضد داعش، لا يخفى أيضاً ولاؤه السياسي، فالحاضنة التى نشأت الميليشيا في كنفها هي إيران.
ظلت طهران على الراعي لها عبر سنوات من الصعود وصولاً لوجودها ككيان مدمج في الجيش العراقي، لتبقى محاولات الهيمنة الإيرانية عبر بوابة الطائفية عنواناً للعام الجديد أيضاً.
وتكمن خطورة هذه القوة المسلحة في الانتماء الطائفي والسياسي العابر للدولة العراقية، فإذا كان الغضب من "داعش" بسبب تطرفها وبشاعة ممارساتها، فالحذر والخوف واجبان كذلك من استمرار وجود "الحشد الشعبي" باعتباره الوجه الآخر من العملة ذاتها.
-
داعش.. عام من الدماء
على الجبهة الأخرى من الواقع الدامي بالعراق في 2016، ظل تنظيم داعش ينهش جسد بلاد الرافدين بتفجيرات إرهابية غادرة تستهدف المدنيين.
وقد تلقت الدولة العراقية ضربات إرهابية موجعة من التنظيم خلال العام، تعد الأكثر قسوة منذ الغزو الأمريكي، ففي عدة مدن تتصدرها بغداد، استمرت هجمات داعش الإرهابية بتفجيرات استهدفت المزارات الشيعية والأسواق الشعبية، كان أبرزها تفجيري الكرادة والحلة.
- تفجير الكرادة
وكان صباح يوم الأحد الثالث من يوليو/تموز الماضي، حيث العشر الأواخر من شهر رمضان، حين استيقظت العراق كلها على 3 تفجيرات دامية متعاقبة استهدفت بغداد وتركزت بحي الكرادة الشرقية، أسفرت عن مقتل أكثر من 324 شخصاً وإصابة 250 آخرين، معظمهم من المدنيين.
- تفجير الحلة
في نوفمبر/تشرين ثان الماضى، فجر داعش محطة لتعبئة الوقود في الحلة مركز محافظة بابل، بالقرب من مطعم يرتاده الزوار الشيعة للراحة في طريق عودتهم من مراسم إحياء ذكرى أربعينية الحسين في كربلاء، ما أسفر عن أكثر من 100 قتيل وعشرات الجرحي، معظمهم من الزوار المدنيين.
وإن كان التفجيرين الإرهابين السابقين هما الأكثر فداحة، لم تسلم باقي المدن العراقية من تفجيرات إرهابية متفاوتة الأثر، في نينوى وكركوك لتستمر معاناة العراقيين بسقوط مئات القتلي والجرحي.
إلا أن المتغير الأبرز في العام الماضي هو أن الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي عملت على تعبئة كامل قوتها وجيشها للقضاء على التنظيم الإرهابي، بمعركتي الفلوجة والموصل.
- معركة الفلوجة .. بداية الحسم
كانت الفلوجة، المدينة التى انطلقت منها شرارة تنظيم داعش قبل أعوام، على موعد 23 مايو/أيار هذا العام مع معركة كبرى، تمكن خلالها الجيش العراقي بمشاركة "الحشد الشعبي" والتحالف الدولي، من دحول المدينة، التي كانت المعقل الأول للتنظيم، ليمنى التنظيم الإرهابي بهزيمة رمزية قاسية، لاحقه الجيش العراقي بعدها بعملية الموصل.
وخلفت أسابيع من القصف الجوي والمدفعي والمعارك العنيفة بين القوات العراقية المشتركة ومقاتلي تنظيم "داعش"، دماراً واسعاً في المباني السكنية في المدينة.
كما ارتكب مقاتلو الحشد الشعبي انتهاكات إنسانية وعمليات إعدام جماعي خارج القانون في مناطق قرب الفلوجة وداخل المدينة.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن الجيش العراقي هزيمة داعش في الفلوجة، بعد أن شارك الحشد الشعبي، إلى جانب القوات العراقية، في المعارك، رغم تأكيدات رسمية سابقة بأنه لن تخوض قتالًا داخل المدينة، ليهرب أهلي المدينة لخارجها في أزمة نزوح ضارية.
- الموصل.. أم المعارك
كانت الموصل،ولم تزل، التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة العراقية في هذا العام، وربما للعام الجديد أيضاً، فالمدينة العراقية الكبرى تمثل أكبر كتلة سنية بالعراق، وأهم معاقل التنظيم الإرهابي بالعراق، ومفتاح داعش بين العراق وسوريا.
حشد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كامل قوته العسكرية لمعركة الموصل لتبدأ في 17 أكتوبر /تشرين أول الماضي أم المعارك، بقوات عراقية مشتركة، والحشد الشعبي، وبالتنسيق مع البشمركة "القوة المسلحة للأكراد" وبدعم من التحالف الدولي بقيادة أمريكا.
غير أن القوات العراقية المشاركة في تحرير المدينة، وبمقدمتها الحشد الشعبي، لم تخل من غالبية شيعية، عانت خلال الفترة الماضية من إرهاب التنظيم وهجماته الدموية، الأمر الذي فجر مخاوف لم تزل قائمة، من عمليات انتقامية واسعة ضد السنة المدنيين من أهالى الموصل.
اعتمدت إستراتيجية القوات العراقية على تحرير القرى المحيطة بالمدينة من المحاور الشمالية والشرقية والجنوبية، فيما تكفلت قوات الحشد الشعبي بمدينة تلعفر، البوابة الأهم للتنظيم إلى سوريا، لقطع طرق الإمداد عنه، ورغم سقوط القرى المحيطة بالمدينة بشكل سريع في قبضة القوات العراقية، إلا أن الأمر لم يخل من خسائر ضخمة، تقدر بأكثر من 2000 جندي عراقي حتى الآن، فضلاً عن معارك شوارع تنتظر الجيش في قلب المدينة، مازالت تمثل التحدي الأكبر أمامه، في ظل صعوبة قصفها بالطيران، لاتخاذ التنظيم المدنيين دروعاً بشرية، واعتماده على إرهابهم بالإعدامات الجماعية لمنع خروجهم أو تعاونهم مع القوات العراقية، كما لم يخل الأمر يخل من أزمة نازحين واسعة النطاق، بنحو مليون نازح من المدينة، يواجهون البرد القارس بالمخيمات على مشارفها.
aXA6IDMuMTQ1LjEwLjY4IA==
جزيرة ام اند امز