العراق ٢٠١٩.. انتفاضة ضد إيران وإجهاض مشروع "ولاية الفقيه"
العراقيون ينتظرون تغييرا جذريا بدعم المجتمع الدولي ليتخلصوا مع عام ٢٠٢٠ من إيران ومليشياتها نهائيا
يمكن وصف عام ٢٠١٩ بعام الثورة على النفوذ الإيراني في العراق، فبعد أكثر من ١٦ عاما على توغل طهران، انتفض العراقيون ضد نفوذها، لتغيير العملية السياسية الحالية جذريا، وتشكيل حكومة جديدة بعيدا عن تدخلات نظام ولاية الفقيه الإيراني.
ولم يكن عام الاستقرار بالنسبة للعراقيين، فرغم انخفاض العمليات الإرهابية من قبل تنظيم داعش الإرهابي داخل المدن التي صاعدت من العنف وسقوط الضحايا، فإن أحداثا أخرى كحادثة غرق العبارة في الموصل واستخدام العنف المفرط ضد الاحتجاجات الشعبية والاغتيالات التي تنفذها مليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران حصدت أيضاً أرواح آلاف العراقيين.
ورغم أن العراق بدأ عام ٢٠١٩ بحكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي، فإن تدخلات إيران ومليشيات الحشد الشعبي خصوصا الإرهابي قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بمليشيا الحرس الثوري الإيراني الخارجي، والسفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، برزت في كل الملفات السياسية والأمنية والإدارية والاقتصادية بالبلاد.
كما تحكم هؤلاء بزمام الأمور وخضعت لهم الحكومة العراقية وقدمت لإيران الامتيازات بهدف إخراجها من مأزق العقوبات الدولية التي تفرضها واشنطن عليها.
وتمخضت العملية السياسية في العراق خلال 2019 عن حكومة هزيلة لم تتمكن خلال شهور السنة من تنفيذ برنامجها الانتخابي الذي وعدت به العراقيين، وقادت البلاد نحو أوضاع مأساوية في المجالات كافة، ولا تزال هذه السياسة تلقي بظلالها على الساحة العراقية حتى الآن.
غرق العبارة بنهر دجلة
لعل أبرز وأول نتائج التوغل الإيراني الكارثية في العراق خلال هذا العام، كان حادث غرق عبارة بنهر دجلة في مدينة الموصل شمالي العراق في ٢١ مارس/آذار الذي أسفر عن غرق أكثر من ١٠٠ عراقي، في حين لا يزال مصير العشرات من الذين كانوا على متنها مجهولا.
وأدت الحادثة إلى إقالة محافظ نينوى الأسبق نوفل العاكوب ونائبيه واعتقال صاحب المشروع، وإصدار أوامر قبض بحق العاكوب.
وكشف الحادث عن المئات من ملفات الفساد التي تضطلع فيها إيران ومليشياتها بهذه المحافظة التي لم تتماثل بعد للشفاء من الجرح الذي خلفه سيطرة داعش عليها لأكثر من ٣ سنوات، كما كشفت تورط مليشيات عصائب أهل الحق التابعة لإيران في غرق العبارة.
فهذا الحادث نجم عن الفساد في مشروع الجزيرة السياحية الذي كان صاحبه تابعا لمكاتب مليشيات العصائب بالتعاون مع المحافظ.
وعدّ علي أغوان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، حادثة العبارة لحظة مفصلية في حياة محافظة نينوى بشكل عام خصوصا من الناحيتين الإدارية والسياسية.
وتابع أغوان لـ"العين الإخبارية": "وقوع هذه الكارثة كان بداية لحراك شبابي استطاع من خلاله الشباب المحتجون في وقتها زيادة الضغط على الحكومة الاتحادية في بغداد، لإزاحة الفاسدين من المناصب الإدارية".
وأكد أن "المرحلة التي أعقبت حادثة العبارة كانت مهمة جدا لإزاحة الستار عن مجموعة من الفاسدين الذين كانوا يعملون داخل المحافظة، لكن لم تتم معالجة ملفات الفساد هذه بشكل كامل؛ لا من قبل الحكومة المحلية الجديدة ولا من قبل الحكومة في بغداد".
ولم تكن كارثة غرق العبارة في الموصل هي الوحيدة التي عانى منها العراق، خلال الأشهر الماضية، لأن فلول تنظيم داعش زادت من هجماتها ضد المدنيين العراقيين في أطراف الموصل وصحرائها وجنوب كركوك وديالى وصحراء الأنبار.
وتشهد هذه العمليات ارتفاعا كبيرا منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العراق في أكتوبر/تشرين الأول حتى الآن، الأمر الذي يثير التساؤلات عن أسباب هذا الارتفاع المفاجئ في هجمات "داعش" ضد المدنيين العراقيين والقوات الأمنية.
وجاءت هجمات الدواعش في وقت أكدت فيه قيادات أمنية عراقية، أن التنظيم لم يعد يمتلك القدرة على شن هجمات، خصوصا بعد أن قتلت الولايات المتحدة الأمريكية في عملية خاصة زعيمه الإرهابي أبوبكر البغدادي.
وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي مؤيد الجحيشي أن ازدياد تحركات مسلحي "داعش" زادت مع الاحتجاجات التي تطالب بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق.
وتابع الجحيشي لـ"العين الإخبارية": "التحركات والهجمات الإرهابية الحالية ليست لمسلحي تنظيم داعش، بل تنفذها مليشيات الحشد الشعبي تحت اسم داعش".
وأوضح أن "الحشد الشعبي يسعى لإعادة سيناريو داعش عام ٢٠١٤ في المدن والمحافظات السنية مجددا، لكن هذه المرة في بغداد ومدن العراق الأخرى لإنهاء الاحتجاجات الشعبية الحالية لخدمة إيران".
وأكد الجحيشي أن "داعش" انتهى في العراق والدليل أنه لم يعد هناك أي تفجيرات تحدث داخل المدن في بغداد والمحافظات مثلما كانت تقع خلال السنوات الماضية، محذرا من "تحركات المليشيات تحت غطاء داعش".
وقال إن "هذا التحرك ضمن خطة إيران لتمويه الرأي العام، وبالتالي إيجاد غطاء لما تنفذه من مجازر ضد المحتجين العراقيين".
وشدد الجحيشي على أن محاولات المليشيات الإيرانية بالعراق باتت مكشوفة، وأن أوضاع الشارع العراقي مختلفة تماما عما كانت عليه عام ٢٠١٤"، لافتاً إلى أن "أمر إيران ومليشياتها بات مفضوحا أمام العالم والعراقيين".
وتعددت أشكال الإرهاب الإيراني في العراق خلال ٢٠١٩ بين نهب ثروات العراقيين عبر مليشياتها للتخفيف من العقوبات التي تفرضها واشنطن على نظام ولاية الفقيه في طهران.
وتمنح المليشيات الإيرانية مستغلة سلطتها في العراق قبلة الحياة للنظام الإيراني للالتفاف على العقوبات الأمريكية عبر تهريب النفط الإيراني على أنه نفط عراقي وسحب العملة الصعبة من العراق إلى إيران، كي لا ينهار اقتصادها بالكامل، هذا فضلا عن عمليات تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر والآثار.
كما تنفذ مليشيات الحشد الشعبي هذه العمليات لصالح إيران مقابل نسبة من الأموال تحول إلى حسابات قادة المليشيات في بنوك إيرانية، بحسب مراقبين.
ومع تراكم المشكلات والأزمات الناجمة عن التوغل والتدخلات الإيرانية وسيطرة مليشيات الحشد الشعبي الإرهابية على معظم مفاصل الحكم ببغداد، أصبح العراق بعد ١٦ عاما على شفا صراعات أمنية وسياسية داخلية وتجاذبات دولية وإقليمية.
كما حولت إيران وأذرعها العراق إلى ساحة حرب بالوكالة عن نظام المرشد ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
ومع استمرار الضغوطات الإيرانية على الشعب العراقي، خرج العراقيون في احتجاجات شعبية ببغداد ومدن جنوب العراق منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول، ولا تزال مستمرة، حيث تشارك فيها أغلبية مكونات الشعب.
وتطالب تلك الاحتجاجات بتغيير جذري للعملية السياسية وحل البرلمان وعزل الأحزاب الحاكمة وتشكيل حكومة إنقاذ وطنية تقود البلاد لحين إجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف دولي، فضلاً عن إنهاء النفوذ الإيراني بالبلاد.
ورغم استخدام مليشيات الحشد الشعبي العنف المفرط وإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والسلاح الأبيض ضد المتظاهرين، فإن المحتجين يواصلون مظاهراتهم متمسكين بالسلمية لتحقيق مطالبهم.
وعلى أثر الضغط الشعبي تحقق أول أهداف المتظاهرين بإعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي استقالته من رئاسة الحكومة العراقية في ٣٠ نوفمبر/تشرين الثاني، ولا يزال يواصل عمله رئيسا لحكومة تصريف أعمال لحين توصل الأطراف السياسية إلى اختيار رئيس جديد للحكومة.
ويرفض الشارع العراقي تعيين رئيس وزراء جديد، ويطالب بانتخاب الحكومة المقبلة من بين المتظاهرين في ساحة التحرير، فيما يرفض النفوذ الإيراني أن تكون تلك الحكومة من خارج الأحزاب والمليشيات التابعة لطهران.
التفاف على مطالب المتظاهرين
وأكد الخبير السياسي والاقتصادي العراقي الدكتور خطاب عمران الضامن، لـ"العين الإخبارية"، أنه "بعد مرور أكثر من شهرين على انطلاق المظاهرات، لا يزال التسويف والالتفاف على مطالب المتظاهرين لكسب الوقت والقضاء على الانتفاضة هو نهج أحزاب السلطة، وفي المقابل أظهر شباب العراق المنتفض تصميما ملحميا على الاستمرار في الانتفاضة السلمية حتى تحقيق كامل المطالب".
وأضاف الضامن أنه "في ضوء المعطيات الراهنة، لا إصلاحات حقيقية تلوح في الأفق، وفي ظل استمرار أحزاب السلطة بممارسة القتل والعنف ضد المتظاهرين، فإن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد تدويلا للقضية، وربما تدفع قيادات عسكرية للانحياز لإرادة ومصلحة الشعب على حساب إرادة ومصالح أحزاب السلطة".
وأسفر استخدام مليشيات الحشد الشعبي العنف المفرط ضد المتظاهرين، بحسب أحدث إحصائية للمفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في العراق، عن مقتل أكثر من ٤٧٥ شخصا أغلبهم من المتظاهرين.
كما بلغ عدد المصابين ٢٧ ألفا و٨١٧ مصابا في تلك الاحتجاجات، بينما يقبع في سجون المليشيات الإيرانية في العراق آلاف المتظاهرين ومئات الناشطين الذين اختطفوا من قبل فرق خاصة تابعة للمليشيات في بغداد والمحافظات الجنوبية.
وفي ظل الأحداث المتسارعة الجارية في العراق، ينتظر العراقيون تغييرا جذريا بدعم من المجتمع الدولي ليتخلصوا مع بداية العام المقبل ٢٠٢٠ من إيران ونفوذها نهائيا.
واشنطن تقصف مليشيات إيران
وقبل نهاية عام 2019 بيومين، شن الجيش الأمريكي غارات جوية استهدفت 5 منشآت لمليشيا "حزب الله العراقي" الموالية لإيران، بعد يومين من مقتل أمريكي في هجوم على قاعدة عسكرية عراقية في كركوك.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في بيان، إن الضربات الجوية نفذتها طائرات مسيرة، واستهدفت 3 مواقع للمليشيا في العراق وموقعين في سوريا؛ منها مخازن أسلحة ومواقع للقيادة والسيطرة.
كما كشف وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، اليوم الثلاثاء، أن الضربات الجوية استهدفت 5 أهداف لمليشيا "كتائب حزب الله"؛ منها 3 في العراق و2 في سوريا.
وقال إسبر: "ناقشنا مع الرئيس دونالد ترامب خيارات أخرى بعد الضربات التي استهدفت مليشيا كتائب حزب الله في العراق وسوريا".
كما أكدت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن المواجهة بين الولايات المتحدة والمليشيات الموالية لإيران تعد مصدرا إضافيا لعدم الاستقرار بالعراق الذي يعيش بالفعل أزمة بالغة من احتجاجات وشلل سياسي.
وذكرت الشبكة الأمريكية، الثلاثاء، أن هذه الحرب بالوكالة بين واشنطن وطهران، التي تعدّ كابوسا للحكومة العراقية، قد اقتربت خطوة مع الهجمات الأمريكية، الأحد، على مليشيا موالية لإيران في العراق.
كما صعد العراق من لهجته ضد الولايات المتحدة إثر تلك الأزمة، حيث قالت وزارة الخارجية إن "جميع الخيارات ستكون مفتوحة إن لم يلبِّ السفير الأمريكي في بغداد ماثيو تولر طلب استدعائه".
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف: "الوزارة ستستدعي السفير الأمريكي ماثيو تولر، لبحث قضية القصف الذي تعرض له عدد من مقار الحشد الشعبي وأودى بحياة وإصابة العشرات".
وفي وقت سابق الثلاثاء، حاولت عناصر من كتائب حزب الله العراقي، اقتحام مقر السفارة الأمريكية في بغداد، حيث نصبت عناصر الحزب خيام اعتصام أمام السفارة الأمريكية في بغداد، كما رفعوا شعارات مطالبة بإغلاق السفارة وطرد السفير.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن زعماء العراق أكدوا ضمان أمن وسلامة رعايانا والممتلكات الأمريكية، مشددا على أن بلاده ستحمي وتدافع عن الأمريكيين بالعراق.
كما حمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إيران، مسؤولية اقتحام سفارة بلاده في بغداد.
وقال ترامب في تغريدة له على "تويتر": "نحمل إيران المسؤولية الكاملة عن تنظيم هجوم على سفارتنا في بغداد، ونتوقع من قوات الأمن العراقية أن تحمي السفارة".
aXA6IDE4LjE5MS4xMDcuMTgxIA== جزيرة ام اند امز