العراق بعد زيارة البابا.. رسائل إيجابية وفرصة أمل للحوار
عندما أوصدت الطائرة التي تقل الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس أبوابها تلقى العالم رسائل إيجابية لبلد نجح في تأمين زيارة مماثلة وسط تحديات عالية المخاطر.
زيارة أجراها البابا فرنسيس إلى العراق، استمرت لنحو 4 أيام، وجاءت عشية استهداف صاروخي لقاعدة عسكرية مشتركة غربي العراق.
ورغم التحذيرات التي تحدثت عنها التقارير الأمنية قبيل أيام من وصول بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى العراق، إلا أن حكومة مصطفى الكاظمي استطاعت كسب الرهان حتى انقضاء الزيارة وعودة قداسة الفاتيكان إلى العاصمة الإيطالية روما أمس الاثنين.
مختصون في الشأن السياسي العراقي يرون أن حكومة الكاظمي، ومعها البعض من القوى السياسية، استطاعت تمرير "ضوء عالمي على منطقة مضطربة منهكة وفي الوقت ذاته مثقلة بالحجب والمصدات".
وفي واحدة من فضائل تلك الزيارة أنها أعطت زخما معنويا وفرصة أمل للعودة إلى الحوار، والابتعاد عن ثقافة الإقصاء التي عادة ما تخبو وتظهر بين الحين والآخر كلما وقعت انسدادات سياسية بين القوى المتنافسة على السلطة في العراق.
إشعار خطر
المحلل السياسي العراقي نجم القصاب، يرى أن زيارة البابا إلى العراق جاءت لتخبر العالم بما جرى هنا وإلى أين قد تؤول الأمور إذا ما استمرت الأوضاع في ظل الارتباك الحاصل؟.
وأضاف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "رسالة قداسة بابا الفاتيكان إلى السياسيين في قصر بغداد، كانت بمثابة إشعار خطر وخارطة لتجاوز الأزمات".
وكان البابا فرنسيس ألقى، في أول أيام زيارته، كلمة في القصر الرئاسي ببغداد، بحضور قوى سياسية وحكومية بينهم رجال دين، وصفت من قبل المراقبين بـ"المؤثرة والمليئة بالألم"، بعد أن استعرض المجازر وعمليات التهجير التي عاشتها الأقليات العراقية طوال العقدين الماضيين.
ودعا بابا الفاتيكان خلال زيارته التي شملت 5 محافظات في الجنوب والوسط والشمال، صناع المشهد السياسي في العراق إلى معاضدة الجهود في مجال بناء الدولة والمجتمع، بما يقدم ضمانات لكافة الأبناء من مختلف الشرائح والطبقات الإثنية والدينية والمذهبية.
وتابع البابا بالقول، عند مستهل زيارته وخلال استضافته من قبل رئيس الجمهورية: "فلتصمت الأسلحة"، في إشارة إلى فوضى البنادق المنفلتة وتفشي مظاهر المليشيات ونتائج ذلك على الأوضاع التي يعيشها العراق.
وصبيحة انتهاء زيارة البابا فرانسيس إلى العراق، أمس الاثنين، دعا الكاظمي، إلى "حوار وطني" يضم القوى السياسية ونشطاء الحركات الاحتجاجية.
وقال الكاظمي: "على أساس هذه المسؤولية التاريخية، وفي أجواء المحبة والتسامح التي عززتها زيارة قداسة البابا لأرض العراق، أرض الرافدين، نطرح اليوم الدعوة إلى حوار وطني لتكون معبرا لتحقيق تطلعات شعبنا".
واستدرك بالقول :"ندعو قوانا وأحزابنا السياسية إلى تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، وإلى التهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي".
وشهد العراق قبل زيارة البابا تأزما في الأوضاع الأمنية، ففي منتصف فبراير/شباط الماضي، تعرض مطار أربيل وقاعدة الحرير العسكرية التابعة للتحالف الدولي، لهجوم صاروخي هو الأعنف في تاريخ إقليم كردستان شمالي البلاد.
وجرت التطورات بشكل سريع بعدها، بعد مهاجمة رتل لوجستي للتحالف جنوبي العراق، ومن ثم استهداف قاعدة "عين الأسد" في الأنبار قبل يومين من زيارة قداسة البابا.
إرادة وطنية
ومن جانبه قال المحلل السياسي غازي عبدالله، إن "المليشيات صعدت من عمليات الاستهداف المتكررة مع قرب زيارة البابا، وتصادف ذلك مع ارتفاع الحملات العسكرية ضد تنظيم داعش والتي كان أبرزها ما حدث بمنطقة الطارمية شمال بغداد في 20 فبراير/ شباط الماضي.
وقال عبدالله، لـ"العين الإخبارية"، إن تمرير قافلة الفاتيكان من الأجواء العراقية بسلام وفي ظل هكذا تحديات راهنة، يؤكد أن هنالك إرادة وطنية للتغلب على كافة المشاريع الإقليمية الرامية لإضعاف وتقسيم البلاد.
ولفت إلى أن الحوار الذي دعت إليه حكومة الكاظمي، يأتي استجابة لعهود قطعتها بغداد أمام العالم من خلال تحقق زيارة البابا إلى العراق بأن تعمل لحصر أسباب الفرقة وإشاعة المحبة.
وتعود الحركات الاحتجاجية مجدداً بعد هدوء نسبي استمر نحو شهور متصلة. وكانت قد اشتدت خلال الأسبوعين الماضيين في ذي قار جنوبي العراق حيث مدينة أور التاريخية التي قصدها البابا لحج بيت إبراهيم .
وعلى وقع سقوط العشرات من القتلى والجرحى في الاحتجاجات المندلعة في الناصرية والتي امتدت بعد أيام لمحافظات مجاورة، كانت بغداد تحاور عبر أكثر من جبهة لتسكين الأوضاع وتهيئة البلاد لاستقبال قداسة الفاتيكان.
أحمد حسن، صحفي ومراقب للشؤون السياسية، اعتبر أن "هنالك إرادة تحاول إفساد الزيارة البابوية حتى لا يحسب نجاحا لشخص الكاظمي الذي ترى فيه بعض الأحزاب أنه عدو مصالح طهران في العراق".
وأشار حسن، لـ"العين الإخبارية"، إلى أن زيارة قداسة الفاتيكان إلى النجف واللقاء مع المرجع الديني علي السيستاني أسقط ادعاء إيران بأن شيعة العراق تتبع علي خامنئي".
كما لفت إلى أن "الحوار الوطني الذي دعا اليه الكاظمي بات مطلباً تفرضه المرحلة الآنية كفرصة أخيرة لتدارك الوضع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
aXA6IDE4LjE4OC4xMzIuNzEg جزيرة ام اند امز