ثمة سؤال مطروح عن طبيعة الدافع وراء قبول تحالف "سائرون" هذه الخطوة غير المتوقعة والمفاجئة للطبقتين السياسية والشعبية كذلك.
في ظل عدم مقدرة قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، على ترتيب ولملمة شعث البيت الشيعي العراقي بكامل أطيافه تحت عباءة واحدة تُنسج خيوطها في طهران، باتت الأطراف تبحث عن مصالحها بعيدا عن الانخراط بما يفكر فيه الساسة الإيرانيون، وهذا ما يفسر زحف العامري باتجاه الصدر الذي لا يخفي عدم رضاه عن الأطراف المرتبطة بالخارج والتي وصفها غير مرة بأنها ليست وطنية؛ لأنها تقدم مصلحة الآخرين على مصلحة الشعب العراقي.
لابدّ من القول بأنّ العامري لن يجرؤ على تجاوز الصدر في المستقبل لما يملكه الأخير من شعبية كبيرة أثبتت صناديق الاقتراع قوة وشدة تأثيرها في أوساط العراقيين، وتجاوزت شعبية الرجل المكون الشيعي لتصل إلى باقي المكونات، عبر رفع الصوت عاليا بمخاطبة وجدانهم ورفع شعارات تلامس هموم العراقيين
ثمة سؤال مطروح عقب ما وصفته الأطراف العراقية بتحالف الضرورة عن طبيعة الدافع وراء قبول تحالف "سائرون" هذه الخطوة غير المتوقعة والمفاجئة للطبقتين السياسية والشعبية كذلك.
في الحقيقة يدرك الصدر في قرارة نفسه أنّه لن يكن بمقدوره تجاهل النفوذ الإيراني في العراق والمتمثل بالجناحين الرئيسين: الفتح بقيادة هادي العامري، ودولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لذلك آثر الرجل القبول بأقل الضررين من وجهة نظره هو، واختار العامري الذي لا يقل خطورة عن المالكي لناحية السلوك الطائفي الذي ينتهجه الرجل، خاصة مع امتلاكه تاريخا أسود فيما يخص الأسرى العراقيين في إيران وقصص تعذيبه شخصيا لبعض السجناء هناك.
يعرف الصدر ومن ورائه مكونه السياسي والشعبي كذلك، بأنّ التحالف مع العامري لن يكون في صالح العراقيين المنادين باستقلالية القرار العراقي، وأنّه يعيد المشهد إلى ما قبل حقبة العبادي حين سلم سلفه المالكي أرض الرافدين على طبق من ذهب للملالي يعيثون بها فسادا وتخريبا وطائفية مقيتة؛ لذلك تُرجح نظرية التحالف اللحظي أكثر من هي الارتباط العقائدي وراء ستار المذهب.
نقطة واحدة يمكن للصدرين الاستفادة منها وتطويق النفوذ الإيراني إذا كانوا جادين بطروحاتهم السابقة تجاه التدخلات الإيرانية في الداخل العراقي، وهي شدة التباين ما بين العامري والمالكي، والهوة التي باتت تتسع أكثر بين الرجلين، وهذا ما يقلل خطرهما مجتمعيْن، وإن جاءت بعض التسريبات بانضمام المالكي لهذا التحالف باعتبار أنّهما كانا ينسقان معا لضرب الأطراف التي تأمل بخروج العراق من الوصاية الإيرانية، يضاف إلى ذلك سعيهما الحثيث لتثبيت القدم الإيرانية على الأرض العراقية.
كذلك لابدّ من القول بأنّ العامري لن يجرؤ على تجاوز الصدر في المستقبل لما يملكه الأخير من شعبية كبيرة أثبتت صناديق الاقتراع قوة وشدة تأثيرها في أوساط العراقيين، وتجاوزت شعبية الرجل المكون الشيعي لتصل إلى باقي المكونات، عبر رفع الصوت عاليا بمخاطبة وجدانهم ورفع شعارات تلامس هموم العراقيين من البصرة جنوبا حتى الأنبار وصلاح الدين غربا.
لا يمكن الجزم بأنّ تحالف الصدر مع العامري يعني انتصارا للجناح الإيراني في العراق على الإطلاق، ولكنّه شرّ لابدّ منه وإلا لن ينعم الصدريون ولا من انتخبهم بلذة الفوز نتيجة قوة منافسهم، وللذين شككوا بمدى توق العراقيين للرجوع إلى حضنهم العربي ينبغي لهم متابعة تصريحات المسؤولين العراقيين والمثقفين وجميع أطياف الشعب الذين باتت التركة الإيرانية تثقل كاهلهم وتجعلهم يدفعون ثمن التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي، وهذا ما لن يقبله من ولدوا أحرارا في بلاد الرافدين.
ماذا عن رأي الولايات المتحدة في التحالف الجديد؟
لاشك أنّ واشنطن لن تكون منزعجة كثيرا من هذا التحالف، خاصة أنّها تبحث عن مصالحها قبل كل شيء، وهي متيقنة بأنّ الصدريين لن يكونوا حلفاء لها ولكنّهم في الوقت ذاته لن يصبحوا أداة بيد قائد فيلق القدس قاسم سليماني يحركهم كيفما يشاء، وبالتالي سترحب بالتحالف الجديد الذي من شأنه السيطرة شبه الكاملة على العراق، خاصة بما يملكه الصدريون من عناصر بشرية على الأرض يشكلون ضمانة لا يُستهان بها لمن يقف معهم.
أما مليشيا الحشد فستكون أمام اختبارها النهائي والاختيار ما بين الولاء للوطن وتقديم ذلك على طاعة الولي الفقيه من خارج الحدود، وهذا ما سيرسم بالطبع شكل العراق الجديد، والذي يساند الفكرة هذه هو عدم مقدرة الإيرانيين على جمع الأطراف الشيعية في تحالف واحد لتكوين الكتلة الأكبر مما يشي بالضرورة عدم سماع كلمة الإيراني كما في السابق.
نستطيع القول إنّه من شأن هذا التحالف إبعاد حزب الدعوة عن رئاسة الحكومة والتي احتكرها مدة ثلاثة عشر عاما، من دون تقديم ما هو نافع للعراقيين وهذا ما كانوا يرددونه مرارا وهي نقطة إيجابية تحسب للصدر وحده.
وكذلك يضع البلاد أمام مفترق طرق بين من يسعى لتخليص العراق من التبعية للخارج ومن يرهن القرار السياسي بيد طهران التي ما برح مسؤولوها يكررون بشكل دائم بأنّ بغداد إحدى العواصم التي شملها النفوذ الإيراني غير المرحب به في منطقتنا العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة