في ظل تلك الظروف فإن العراق بحاجة إلى علاقات حسن جوار مع بلدان محيطه المباشر العربية، في مسعى لتجاوز الإشكاليات المتلاحقة.
شهدت العلاقات الخليجية-العراقية منعطفات عدة خلال 40 عاماً مضت، فمن الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن المنصرم، إلى غزو الكويت في العام 1990، ثم حرب الخليج الثالثة في 2003، مروراً بالحرب الأهلية الطائفية 2006، واستيلاء داعش على مساحات من العراق في 2014.
تواريخ رسمت شكل العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية العراق من التقارب في الثمانينيات إلى التباعد والخلاف بعد الغزو الغاشم على الكويت، وما تلا سقوط بغداد من سياسات إقصائية طائفية قادها بعض زعماء الطبقة السياسية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي خلفت سياساته تنظيم داعش.
لا شك أن تحسن العلاقات الخليجية العراقية يصب في مصلحة المنطقة، حيث إن دول الخليج تؤمن أن بغداد عمق عربي لا يمكن التخلي عنه مهما بلغت الظروف، وأن استقرار وازدهار العراق مصلحة استراتيجية لها بعيداً عن الاصطفاف الطائفي
وبعد رحيل حكومة المالكي الموالية لطهران، ابتدأت مرحلة جديدة من التقارب الخليجي العراقي، الذي توج بزيارات متبادلة على مستويات رفيعة شملت رئيس الوزراء ووزراء الخارجية، وإعلان مجالس تنسيق مشتركة، وتحالف دولي ضد داعش، ثم دعم خليجي (سعودي- إماراتي- كويتي) لإعادة إعمار المناطق المدمرة جراء الحرب الشرسة مع التنظيم.
وبعد ذلك الدعم وما رافقه من ضخ استثمارات وتسهيلات ومميزات جديدة، تخطو العلاقات خُطى متقدمة نحو إعادة بغداد إلى الحاضنة العربية، انطلاقاً من أهداف تجمع الطرفين، فدول الخليج تهدف إلى التصدي للأعداء المشتركين من التنظيمات الإرهابية كداعش وأخواتها، بالإضافة إلى عدم ترك بلاد الرافدين ساحة لتصفية الحسابات الطائفية، فيما تواجه بغداد جملة من التحديات التي ورثتها عن الحكومات المتعاقبة؛ كالأزمة الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية والفساد والبطالة وإعادة الإعمار وأزمة المياه، والتحديات الأمنية المتمثلة في إمكانية عودة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى نزع سلاح المليشيات المتطرفة.
في ظل تلك الظروف، فإن العراق بحاجة إلى علاقات حسن جوار مع بلدان محيطه المباشر العربية، في مسعى لتجاوز الإشكاليات المتلاحقة بتحقيق الدعم الاقتصادي وتعزيز التنسيق الأمني، وهي علاقات شديدة الحيوية بالنسبة للبلد الذي أنهكته الحروب المتتالية، لا سيما بعد العقوبات الأمريكية على إيران، والتي ستقلص حجم النفوذ على بغداد رغم وجود قوى سياسية موالية لها.
لا شك أن تحسن العلاقات الخليجية العراقية يصب في مصلحة المنطقة، حيث إن دول الخليج تؤمن أن بغداد عمق عربي لا يمكن التخلي عنه مهما بلغت الظروف، وأن استقرار وازدهار العراق مصلحة استراتيجية لها بعيداً عن الاصطفاف الطائفي، بهدف عودة العراق، بلاد ما بين النهرين وموطن الحضارات القديمة، إلى مجده السابق بعيداً عن الأزمات المستوردة التي ليس فيها للعراقيين ناقة ولا جمل، ورغم ذلك فإن العودة الكاملة للعراق قد تستغرق زمناً ليس بالقصير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة