برهم صالح.. اصطف مع المحتجين فأربك حسابات إيران بالعراق
الرئيس العراقي لوح بتقديم استقالته ورفض تكليف شخصية بتشكيل الحكومة المقبلة لا تحظى بقبول المحتجين المحتشدين في الساحات والميادين
جاء رفض الرئيس العراقي برهم صالح، تكليف مرشح طهران لرئاسة الحكومة ومن ثم تلويحه بالاستقالة والاصطفاف إلى جانب المحتجين، مربكا لحسابات وخطط النظام الإيراني للهيمنة على بغداد.
الرئيس العراقي اختار المصلحة الوطنية العليا ووضع بعين الاعتبار "الاستحقاقات التي فرضتها الاحتجاجات"، وفضل التهدئة على خيار كان من الممكن أن يرفع منسوب الغضب الشعبي إلى أقصاه، في بلد يئن منذ مطلع أكتوبر/تشرين أول الماضي، تحت وقع احتجاجات دامية تطالب برحيل الطبقة الحاكمة بأسرها.
قرارات صالح عبرت فوق النعرات المذهبية والحزبية، والوصاية الإيرانية، ليختار الاصطفاف إلى جانب شعبه، ويجتاز بذلك اختبار الاعتبارات الشخصية والسياسية بنجاح.
ويطالب المحتجون العراقيون بشخصية مستقلة وغير مرتبطة بطهران لرئاسة الحكومة المقبلة.
صفعة لإيران
والخميس، اعتذر صالح عن تكليف محافظ البصرة (جنوب) الحالي، مرشح "تحالف البناء" أسعد العيداني، بتشكيل حكومة جديدة خلفا لرئيس الوزراء المستقيل من منصبه عادل عبد المهدي.
وأكد صالح أنه "يفضل الاستقالة على تكليف مرشح يرفضه المحتجون"، مضيفا أن منطلقه في ذلك حرصه على "حقن الدماء وحماية السلم الأهلي"، مشددا على أن "منصب رئيس الجمهورية يجب أن يستجيب لإرادة الشعب".
وأضاف: "أضع استعدادي للاستقالة من منصب رئيس الجمهورية أمام أعضاء مجلس النواب، ليقرروا في ضوء مسؤولياتهم كممثلين عن الشعب ما يرونه مناسبا".
وكشف الرئيس العراقي عن تلقيه عدة مخاطبات متناقضة بشأن الكتلة الأكبر أرسلت من الكتل نفسها وأخرى من البرلمان تتناقض مع كتب أخرى أرسلها مجلس النواب قبيل ترشيح عادل عبدالمهدي لمنصب رئيس الوزراء 2018.
وحتى الآن، رفض صالح تكليف ثلاثة مرشحين تقدم بهم "تحالف البناء" الذي يضم جميع النواب المؤيدين لإيران في البرلمان، وهم وزير النفط الأسبق إبراهيم بحر العلوم عن المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة همام حمودي.
وكذلك وزير التعليم في الحكومة الحالية المستقيلة قصي السهيل عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، ومحافظ البصرة الحالي أسعد العيداني عن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري.
وبرفضهم، وجّه صالح صفعة مدوية وإن كانت بشكل غير مباشر إلى طهران ليحرمها من ممثلي قوى ترتبط معهم بعلاقات وثيقة فرشت لها سجاد العبور نحو مفاصل المشهد السياسي في العراق.
قرار يجزم محللون بأنه تطلب الكثير من الجرأة لاتخاذه، في وقت تقول فيه تقارير إعلامية إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، تدخل شخصيا لدعم ترشيح العيداني، ما يعني أن رفضه من قبل صالح سيكبد الأخير الكثير من التهديدات والمطاردات وقد يصل الأمر إلى حياته.
فمن هو برهم صالح، الرجل الذي فضل الإصغاء إلى صوت شعبه، وقال "لا" لإيران ووكلائها ببلاده، ورفض وصايتها على السيادة العراقية، متحديا رغم التهديدات الإيرانية الكبيرة التي يطال بعضها حياته وأفراد أسرته.
النشأة والمسار
اختار مجلس النواب العراقي، بأغلبية أعضائه، برهم صالح، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، رئيسا جديدا للبلاد، ليصعد بذلك مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى أعلى منصب بالهيكل الحكومي، ويكون الكردي الذي ينصبه العرف الجاري بالعراق رئيسا للجمهورية.
ولد صالح عام 1960، في السليمانية شمالي العراق، لأسرة ميسورة الحال، وأب كان يعمل قاضيا.. وفي تلك المدينة تدرج في المراحل الأولى من دراسته، وقد كان مولعا بالسياسة منذ سنوات شبابه الأولى، حتى إنه خاض هذا المجال قبل أن يدرك العشرين من عمره.
اختبر الاعتقال في عام 1979، حين واجه تهمة المشاركة في الحركة السياسية الكردية المناوئة لبغداد، وتعرض للتعذيب في سجن مدينة كركوك (شمال)، على خلفية التقاطه صورا للمظاهرات المناهضة للحكومة بالمدينة.
أمضى بسجنه أكثر من شهر، ثم غادره لينهي دراسته الثانوية بتفوق، قبل أن يقرر الهرب من الملاحقة الأمنية المستمرة له بالسفر إلى بريطانيا.
وهناك، استمر صالح بالنشاط ضمن حزب الاتحاد الوطني، وأنهى في هذه الأثناء دراسته الجامعية بحصوله عام 1983 على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة كارديف عام، وحصل على شهادة الدكتوراه في الإحصاء وتطبيقات الكمبيوتر بمجال الهندسة من جامعة ليفربول.
وعقب خروج كردستان عن سيطرة الحكومة المركزية في بغداد 1993 إثر حرب الخليج الأولى، حصل على عضوية قيادة الحزب، وتولى مسؤولية تمثيله في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المنصب الذي استطاع من خلاله إقامة علاقات مع عدد كبير من الساسة الأمريكيين.
أما مناصبه الحكومية فبدأت عقب سقوط نظام حكم صدام حسين في 2003، حيث تقلد مهام رئيس حكومة بلاده المؤقتة عام 2004، قبل أن يحصل على حقيبة وزارة التخطيط بعد عام على ذلك.
وفي حكومة نوري المالكي الأولى تولى منصب نائب رئيس للوزراء عام 2006، ثم رئيسا لحكومة إقليم كردستان 3 سنوات إثر ذلك.
وفي عام 2017 أسس برهم صالح حزبا جديدا لخوض الانتخابات باسم "تحالف من أجل الديمقراطية والعدالة"، معلنا بذلك انشقاقه عن حزبه الأم.
لكنه سرعان ما عاد إليه، وبموجب عرف سياسي سائد في العراق منذ 2003، يتولى الأكراد رئاسة الجمهورية، فيما يشغل السُنة رئاسة البرلمان والشيعة رئاسة الحكومة.
ودخلت المظاهرات الاحتجاجية في العراق شهرها الثالث على التوالي منذ انطلاقها في الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في بغداد و9 محافظات جنوبية.
ويطالب المتظاهرون بإصلاحات سياسية واقتصادية ووقف تدخل إيران في الشأن الداخلي العراقي، أسفرت عن مقتل 489 متظاهرا وإصابة أكثر من 27 ألفا آخرين وسط اتهامات لمليشيات تابعة لإيران بملاحقة الناشطين والصحفيين والمحتجين.
والجمعة، أعربت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عن قلقها إزاء استمرار الهجمات ضد المتظاهرين السلميين في العراق، وكذلك الهجمات على النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني.
aXA6IDE4LjIyMy4xNTguMTMyIA== جزيرة ام اند امز