تصعيد وانتخابات و"خطوة للخلف".. سيناريوهات محتملة لأزمة العراق
فصول متلاحقة كتبتها الأزمة السياسية في العراق في أشهر قليلة وضعت البلاد على حافة صدام مباشر، لكن النظرة المتعمقة تمنح بعض الأمل في الحل.
ومع تواصل الانسداد السياسي الذي يعيشه العراق منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انفجر الوضع على الأرض في الأسابيع الماضية، وزاده اشتعالا إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله السياسة.
إعلان الصدر دفع أنصاره، الذين يعتصمون منذ أسابيع داخل مقر البرلمان في المنطقة الخضراء، للتظاهر واقتحام المقر الرئيسي لمجلس الوزراء.
كما وقعت اشتباكات بين أنصار الصدر وأنصار جماعات مدعومة من إيران خارج المنطقة الخضراء بوسط بغداد، وتبادلوا الرشق بالحجارة، بحسب وكالة رويترز للأنباء.
تلك الاشتباكات دفعت القوات الأمنية لإطلاق الرصاص الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين في المنطقة الخضراء، وفق مصدر أمني.
دعوة للتوافق
أول رد سياسي على هذه التطورات الميدانية كان من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي دعا جميع الأطراف إلى إطفاء نار الفتنة والتوصل إلى تفاهمات.
وقال الحلبوسي، في بيان، إن "ما آل إليه الوضع هذا اليوم ينذر بخطر كبير، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه أو تركه يتصاعد دون تدخلٍ من العقلاء والمؤثرين من زعامات دينية وسياسية وعشائرية واجتماعية، تدفع باتجاه التهدئة وضبط النفس، وتحذر من الفوضى وإراقة دماء العراقيين الأبرياء عبر استخدام السلاح من أي طرف".
ورغم هذه الدعوة للتهدئة، لا تزال الأزمة السياسية مفتوحة على سيناريوهات واحتمالات عدة، بعضها متفائل، وبعضها الآخر يذهب في الاتجاه المعاكس.
وتعليقا على التوتر المتسارع على الأرض، قال المحلل السياسي العراقي رمضان البدران لـ"العين الإخبارية" إن "المشهد السياسي في العراق نتاج إرهاصات سابقة، وإذا عرفنا مسبباتها ومحدداتها، نعرف المستقبل وما هو قادم".
وتابع "أن أول المحاور في هذه الموضوع هو التدخل الخارجي، خاصة تأثير الولايات المتحدة والأمم المتحدة وهو تأثير ناعم لم يوفق أن يكون واقعيا، وأن يؤثر في بناء عملية ديمقراطية".
وأضاف :"الجزء الآخر هو النفوذ الإيراني الذي كان يستفيد من عملية تشكيل حكومات متلاحقة لكي يدس نفوذه في كامل أروقة الدولة العراقية، واليوم موجود في الأجهزة الأمنية والمدنية والقضاء".
ومضى قائلا "مقتدى الصدر هدد هذا النفوذ الخارجي بقوة وأظهر للكلمة العراقية لم يعتد في السابق.. والآن بعد انسحاب الصدر وتغلغل الإطار التنسيقي (المدعوم إيرانيا) وتوسع نفوذه في داخل البرلمان، وأصبحت السلطة الشرعية تحت سيطرة الإطار، والدول المدنية بشكل عام تحت يد الإطار التنسيقي".
الكرة في ملعب "الاتحادية"
وتابع: "ربما هذا الصدام الحالي هو لحظة تاريخية مهمة لتقوية الإرادة العراقية"، مضيفا "السيناريوهات تبدأ من المحكمة الاتحادية التي تسببت في خلق الأزمة عبر قرار نصاب الثلثين، وإذا حلت البرلمان وسمحت بإجراء انتخابات مبكرة يمكن أن تعطي فسحة من التنفس والزمن للقوى العراقية، مثل هدنة".
أما السيناريو الثاني، وفق البدران، فهو بيد المحكمة الاتحادية أيضا، ويتمثل في تراجعها خطوة للخلف، عن شرط تحقق ثلثي نصاب مجلس النواب في جلسة انتخاب رئيس البلاد، ويعود نواب التيار الصدري إلى البرلمان، ويشكل الصدر حكومة أغلبية ويقبل ما يقبله من الإطار ويرفض ما يرفضه منه".
ومضى البدران قائلا "هذا حل واقعي صحيح.. ولكن لن يتحقق هذا الحل السهل الممتنع، لأن قوى الإطار التنسيقي متمسكة بالسلطة ووصلت مراحل لا يمكن معها أن تتراجع".
وكانت المحكمة الاتحادية العليا تصدت في فبراير/شباط الماضي، لتفسير المادة (70/ أولاً) من الدستور حول انتخاب رئيس الجمهورية، واشترطت تحقق أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، ما كان بداية المرحلة الأصعب في الأزمة السياسية.
"التصعيد قائم"
البدران قال أيضا "الوضع الراهن غامض والتدخل الإيراني واعتزال مرجعية كاظم الحائري أمور معا تصب في أن إيران دخلت على الخط وتريد للإطار أن يبقى ويقوى"، مشيرا في هذا الإطار إلى سيناريو التصعيد بين أطراف الأزمة ووصفه بأنه "خيار قائم".
وأعلن الحائري، المرجع الشيعي الإيراني الأصل، يوم الإثنين، اعتزاله العمل الديني كمرجع بسبب المرض، وأوصى باتباع مرجعية علي خامنئي في إيران.
وعقب إعلان الحائري أصدر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر بيانا أعلن فيه بدوره اعتزاله العمل السياسي نهائيا، ملمحا لإمكانية تعرضه للاغتيال، ومشككا أيضا في أسباب اعتزال تلميذ والده الحائري.
وشكك الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في أسباب اعتزال حائري، قائلا في بيانه "وعلى الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع (الحائري) لم يكن من محض إرادته.. وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضا (بغير إرادته)، إلا أنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي".
"الانتخابات الحل الأفضل"
أما مارسين الشمري، الباحثة في الشأن العراقي، فقالت في مقابلة مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "بحثي"، إن الانتخابات الجديدة هي أقصى ما يمكن أن يأمله العراقيون في هذا الوضع الراهن".
وتابعت "لكن الانتخابات الجديدة، خاصة عندما لا يرغب معظم الناس في التصويت بعد الآن، تعني المزيد من المقاعد للتيار الصدري والمزيد من المقاعد لجميع الأحزاب السياسية الراسخة والقديمة الأخرى" على حساب قوى احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٩.
ومضت قائلة "الأمر المحزن حقًا في هذا هو أن هذه هي النتيجة التي لن تقودنا إلى أي عنف، لكنها أيضا النتيجة سيئة حقا للبلد على المدى الطويل".
وردا على سؤال مفاده "يبدو أن أفضل سيناريو هو أن نعود إلى أكتوبر (أي قبل إجراء الانتخابات الماضية)، ونمضي قدمًا" في إجراء الاقتراع مجددا، ردت الشمري قائلة "في رأيي، نعم".
وخلال انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي ظهر تأثير احتجاجات أكتوبر التي شهدها العراق في 2019، إذ عمت الاحتجاجات الغاضبة التي عمت مدن وسط وجنوب البلاد.
ونجحت هذه الاحتجاجات في تغيير مزاج الناخب وتوجيه نحو خيارات هادئة أقل تطرفاً وأقرب للمدنيين، فمنحت التيار الصدري صدارة النتائج، كما قادت ممثلين للاحتجاجات إلى عضوية مجلس النواب.
aXA6IDMuMTUuMTQ5LjI0IA== جزيرة ام اند امز