بعد مقتل قاسم سليماني كثر الحديث عن رغبة الشعب العراقي في طرد القوات الأمريكية.. الحقيقة هي أن الشعب العراقي لا علاقة له بهذه الرغبة
بعد مقتل قاسم سليماني كثر الحديث عن رغبة الشعب العراقي في طرد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق. الحقيقة التي صار العالم كله يعرفها هي أن الشعب العراقي لا علاقة له بهذه الرغبة، وإن كان في داخله يرجو أن تغادر العراق كل القوات الأجنبية التي صارت متواجدة فيه بعد مرحلة صدام حسين.
طرد تلك القوات هو رغبة النظام الإيراني وهو ما يسعى إليه لسببين، الأول ظاهري وهو الانتقام لسليماني الذي اغتالته القوات الأمريكية في العراق، والثاني باطني وهو تحقيق مزيد من السيطرة على العراق، ومن المستحيل أن يتحكم النظام الإيراني في العراق في وجود القوات الأمريكية.
ليس من عاقل إلا يقول إن وجود خمسة آلاف جندي أمريكي مهمتهم تدريب الجيش العراقي وتمكينه وتعليمه كيفية استخدام الأسلحة التي اشتراها من أمريكا وكيفية صيانتها وتصليحها أفضل مليون مرة من تواجد قوات النظام الإيراني في العراق.
غير العارفين بهذه الحقيقة وغيرها من الحقائق المرة من العراقيين كثر، ولهذا رفعوا في مظاهراتهم الأخيرة شعارات تنادي بإخراج القوات الأمريكية من العراق، أما العراقيون العارفون بهذه الحقيقة وغيرها فينظرون إلى هذا الأمر من زوايا أخرى. من ذلك على سبيل المثال ما يسعى بعض السياسيين والمثقفين والأكاديميين العراقيين إلى نشره من خلال ظهورهم في وسائل الاتصال والتواصل، حيث يقولون إن الأمر لا يمكن أن يتم بهذه السهولة لأن تواجد هذه القوات في العراق سببه تطورات كثيرة وصراعات بين قوى أجنبية مختلفة لها مصالح في العراق، ولأن وجودها مرتبط باتفاقيات بين العراق والولايات المتحدة، ولأن خروجها يعني تعطل الجيش العراقي الذي اشترى أسلحة أمريكية تتطلب تواجد خبراء عسكريين أمريكيين وإلا صعب استخدامها، حيث من الطبيعي أن الدولة التي تبيع الأسلحة لا توفر معها كل أسرارها.
معنى هذا أن إخراج القوات الأمريكية من العراق يعني ببساطة خسارة كثير من الأسلحة الحديثة التي لن يتمكن الجيش العراقي من تشغيلها واستخدامها أو على الأقل من صيانتها وتصليحها لو احتاج الأمر. وبالتأكيد لن يتمكن الخبراء الإيرانيون من الإدلاء بدلوهم في هذا الشأن حيث الفارق بين إيران والولايات المتحدة في مجال صناعة الأسلحة كبير ومداه مئات السنوات الضوئية! هذا طبعا عدا الجوانب السرية في الاتفاقيات، وهو أمر طبيعي بين الدول، فكيف بدولة تعيش ظروفا استثنائية مثل العراق؟
النظام الإيراني يعتقد أن طرد القوات الأمريكية من العراق يمكن أن يتم ببساطة وأنه يكفي أن يردد أعوانه ورجاله في العراق هذه الدعوة كي ينصاع الأمريكان ويخرجوا. مثل هذا الأمر لا يمكن أن يحدث بهذه الكيفية بل لا يمكن أن يحدث حتى لو خرج العراقيون يوميا في مظاهرات مليونية، والحقيقة أنه ليس الأمريكان وحدهم الذين يرفضون إخراج قواتهم من العراق وليس العارفون بما يجري في هذا البلد من العراقيين فقط الذين يرفضون حصول مثل هذا الأمر وإنما ترفضه أيضا العديد من دول المنطقة وأولها دول مجلس التعاون، ذلك أنه من غير المعقول أن تقبل هذه الدول بسيطرة النظام الإيراني على العراق وتحويله إلى محافظة فارسية، فدول المنطقة كلها تعلم بتحركات النظام الإيراني وتعرف غاياته وما يرمي إليه.
ما يفترض أن يكون واضحا لكل العراقيين هو أن النظام الإيراني يعلم بكل هذه الأمور ومتأكد من أن كل هذه الدول لن تقبل بخروج القوات الأمريكية من العراق لأنها لا يمكن أن تعطيه فرصة الاستفراد به ومن ثم التحكم في كامل المنطقة.
بناء على كل ذلك ينبغي من الشعب العراقي أن يتحرر من عواطفه وينظر إلى ما يجري في بلاده من زاوية مختلفة. ليس من عاقل إلا يقول إن وجود خمسة آلاف جندي أمريكي مهمتهم تدريب الجيش العراقي وتمكينه وتعليمه كيفية استخدام الأسلحة التي اشتراها من أمريكا وكيفية صيانتها وتصليحها أفضل مليون مرة من تواجد قوات النظام الإيراني في العراق.
نقلاً عن "الوطن البحرينية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة