الرصاص الحي الذي أطلق على المحتجين في بغداد وأوقع شهداء وجرحى في صفوفهم هو حل ميت سلفاً، الحل في الإصغاء للناس المقهورة الغاضبة
ليست المرة الأولى التي يخرج فيها العراقيون، رجالاً ونساء، إلى الشوارع احتجاجاً على الفساد المستشري في البلاد الذي جعلها بين الدول التي تُذيّل القائمة الدولية في مؤشرات الفساد، وكذلك على سوء الخدمات وبينها انقطاع الكهرباء والمياه في بلد ينعم بنهرين لا بنهر واحد.
السمة التي طبعت التحرك الأخير هي عفويته. ما من قوة حزبية أو سياسية أعلنت تبنيها له، فالناس خرجت للشارع عندما بلغت حالاً من اليأس لم يعد بوسعها أن تصبر بعدها.
معلق على إحدى الشاشات تساءل في نبرة تشكيك حول طبيعة وأهداف التحرك الأخير: من هم هؤلاء؟ وماذا يريدون؟ ومن يقف خلفهم؟
الرصاص الحي الذي أطلق على المحتجين في بغداد وأوقع شهداء وجرحى في صفوفهم هو حل ميت سلفاً، الحل في الإصغاء للناس المقهورة الغاضبة
بدورنا نسأل: أيجوز بعد رؤية هذه الأعداد المهولة من الحشود التي ملأت الساحات والشوارع أن يقال: من هم هؤلاء؟ وماذا يريدون؟ هم الذين قالوا بحناجرهم الغاضبة إن غايتهم إنهاء نظام المحاصصة الطائفي الفاسد، وتأمين سبل العيش الكريم لهم.
وهبْ أن هناك قوى، أياً كانت، تريد الاستفادة من هذا التحرك العفوي، أليس الأجدر أن نطرح السؤال الأهم: لماذا يترك الماسكون بمفاصل السلطة وخزائن المال في العراق الفرصة لحدوث ذلك؟ أليسوا من هيأ الأرضية الملائمة للسخط بسبب فسادهم وسرقتهم المال العام وإبقائهم الناس في حال من الفقر والعوز، والبنية التحتية في أسوأ أحوالها في تاريخ الدولة العراقية الحديثة؟
هناك هوة تزداد اتساعاً بين الغالبية الساحقة من العراقيين والنخبة الفاسدة الهانئة بعيشها في المنطقة الخضراء، مطمئنة إلى أن عجلة المحاصصة الطائفية التي تضمن مصالحها تدور، مدعومة من القوى الخارجية التي هندست هذا النظام البغيض لإدارة الحكم كي يبقى العراق في الحال التي هو عليها اليوم، بلداً عاجزاً مشلولاً غير قادر على النهوض بما أمامه من مهام تنموية ومن واجبات قومية، وأن يبقى قراره السيادي مختطفاً.
المسألة في العراق لا تتعلق برئيس الحكومة وحده، فليس رئيسها الحالي أسوأ ممن سبقوه بالضرورة، لكنها تتصل بكامل المنظومة السياسية والإدارية المعطوبة، التي تشمل البرلمان الذي يُشكّل ويدار بالعقلية ذاتها التي تدار بها الدولة، لذا فإن التغيير المنشود الذي يطالب به المحتجون اليوم هو في إعادة النظر في بنية وأداء هذه المنظومة كلها، إن أريد للعراق أن يخرج من أزمته التي تعيد إنتاج نفسها مع كل حكومة وكل برلمان.
الرصاص الحي الذي أطلق على المحتجين في بغداد وأوقع شهداء وجرحى في صفوفهم هو حل ميت سلفاً، الحل في الإصغاء للناس المقهورة الغاضبة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة