العراق والمناخ.. محاصيل زراعية تعاني قلة المياه والحرارة القياسية
يبدي المزارع العراقي "جيرمال" مخاوفه ويتحسر على محصوله الذي تأكله نار درجات الحرارة المرتفعة، حيث تزيد في مناطق بجنوب العراق بمقدار ضعف المعدل العالمي.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه يدعم المزارعين من خلال تحسين قنوات الري وبناء الصوبات الزراعية لمساعدتهم على الازدهار.
لكن مجهودات برامج الأمم المتحدة تفوق ما يشهده العراق من تدهور بيئي جراء التغير المناخي والارتفاع في درجات الحرارة وانعكاساتها على أقوات العراقيين ومصادر أرزاقهم وبالتالي اقتصاد العراق وحقوق الإنسان العراقي التي يأتي في صميمها حق في حياة وبيئة مناسبة لكسب قوته.
قد لا يعرف "جيرمال" وهو يتحدث عن صعوبة البيئة الزراعية في جنوب العراق أن التحدّي المناخي الأبرز الذي تواجهه بلاده عموما هو الجفاف ومشكلة المياه.
وتعاني بلاد الرافدين التي كانت يوما قلب الهلال الخصيب من شح المياه الخاصة بأنشطة الزراعة بشكل خاص، ويظهر ذلك في جفاف مساحات شاسعة من أهوار جنوب العراق تحت تأثير انحسار مناسيبِ المياهِ الواردة لتلك المساحات.
حياة المزارعين
سعت السلطات العراقية إلى تقنينِ السياسة الزراعية وتقليصها في المناطقِ التي تعتمد الريَّ في الزراعة، وهو ما ألقي بظلالِه على حياة المزراعين في العراق وعلى عمومِ السكان، بالإضافة إلى ما ينتج من ارتفاعِ نسبة التصحر.
وتضاعفت الأزمة مع شح الأمطار والجفاف خلال الأعوام الأخيرة، فتضررت الزراعة بسبب ذلك مباشرة، وهو ما ضاعف مشكلاتِ التصحر، وفرَضَ تحديات خطيرةً على الثروةِ الزراعية والحيوانية.
وتؤكد وزارة البيئة العراقية أن انخفاض معدلات التساقط المطري، وغيرها من العوامل، ساهم في حالة الجفاف كواحد من أهم مهددات الأمن الوطني، خاصة أن أكثر من 33% من سكان العراق يعيشون في مناطق ريفية تعتمد الزراعة كنشاط إنساني رئيسي.
المشكلة البيئية في العراق المرتبطة بالتغير المناخي أدت إلى زيادة التصحر، وفقدان الكثير من الأراضي الزراعية، وازدياد معدلات العواصف الغبارية والرملية، والأخطر أنها تقود لمشكلات أكثر اقتصادية واجتماعية تتعلق بالنزوح الداخلي، والخارجي.
وفي مؤتمر محلي للمناخ استضافته محافظة البصرة الجنوبية في العراق (المحافظة الأكثر تضررا من التغيرات المناخية) خلال مارس/آذار الماضي أكدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، أن العراق يعاني من أزمة مياه حقيقية، مؤكدة ضرورة وجود تحرك إقليمي ودولي لوضع الحلول لتلك المعضلة.
وتسعى السلطات العراقية بإمكانات وموارد محدودة منذ سنوات ولكن بخطوات جريئة لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية بالتعاون مع دول العالم والإقليم، وسبق العراق مساعيه تلك بخطوة مهمة وهي الانضمام لاتفاقية باريس للمناخ.
ويظل الجفافُ المتزايد في العراق يشكل تحدياً خطيراً لمعيشة المواطنين واقتصادِ الدولة، لكنه أيضاً يؤثر على الحياة والبيئة في المنطقة بشكلٍ عام وحتى على تقلّصِ المساحات الخضراء من العالم.
سدود تركيا وإيران
تعمل السلطات المائية في العراق مع تركيا وإيران من أجل حصة عادلة من مياه نهري دجلة والفرات والروافد، للأراضي العراقية في المحافظات وبعد ذلك للأهوار التي تشكّل جزءاً حيوياً من تاريخِ الحضارات البشرية، وجانباً أساسياً في تدعيم الحياة بالعراق، حيث كانت دائماً عاملاً أساسياً في الحفاظِ على التوازن البيئي ليس للعراق فحسب وإنما لعموم المنطقة.
يأمل العراق في تعاونٍ أوسع من السلطات المائية والسياسية في البلدين الجارين تركيا وإيران، وبشكل خاص أنقرة، حيث يخضع دجلة والفرات المورد الرئيسي للمياه في العراق لسلطة 4 دول هي تركيا وسوريا والعراق وإيران، وتسيطر تركيا على المنبع والمجرى الأعلى للفرات ودجلة، وسوريا بالمجرى الأوسط للفرات، والعراق بنهر دجلة والمجرى الأدنى للفرات.
وبحسب بغداد، فإن بناء سدود من قبل جيرانها على مياه المنبع يقلل من تدفقها عند وصولها إلى العراق، وتعتبر بغداد أن مخزون المياه في العراق انخفض إلى النصف مقارنةً بعام 2021، مشيرة أن المشاريع الإيرانية تحرم البلاد من 20% من مواردها المائية.
لكن طهران تنفي قطع روافد المياه المشتركة مع بغداد، مشيرة إلى أن 7% فقط من مياه العراق تجري من إيران والباقي يجري من تركيا.
وبالذهاب إلى تركيا يتداخل ما هو سياسي بما هو بيئي ومناخي، فمشاريع السدود التركية على منابع نهري دجلة والفرات تثير قلق العراق أحد روافع النظام السياسي للنظام أمام مؤيديه، كما أنها أحد أدوات الضغط الجيوسياسي على الجوار.
الحديث الأكبر في تركيا في هذا الشأن عن مشروع جنوب شرقي الأناضول الكبير الذي تصفه أنقره بأكبر مشروع في تاريخ الجمهورية التركية، ساهم في تطوير المشروعات الزراعية والإنمائية، وهو يتكون من أكثر من 20 سدا ومحطات للطاقة الكهرومائية منتشرة على النهرين دجلة والفرات.
وإذا كانت خططِ التنمية الزراعية وتحسينِ البيئة قد تراجعت وتعطلت لسنوات بسبب دوامة العنف والإرهاب، واحتلالِ بعضِ المدن والقرى العراقية من قبلِ تنظيم داعش الإرهابي، بات تحدي التغير المناخي أخطرِ التحديات التي تضررت بموجبها مساحات كبيرة من الحقولِ والبساتين، وباتت تهدد ما يقارب 40% من مساحة العراق من بعدما كان واحداً من أكثر مناطق المنطقة خصوبة وإنتاجاً.
خطة المواجهة
قبيل مؤتمر غلاسكو cop26 كشف العراق عن خطة لمواجهة الجفاف على مستويين الأول بدأ من 2020 ويستمر حتى 2025، يركز على خفض الانبعاثات الكربونية، خصوصا في قطاع النفط والغاز، مع التركيز أكثر على ضرورة رفع الوعي الوطني، تجاه التغيرات المناخية.
المستوى الثاني من خطة العراق تبدأ من 2025 إلى 2030 ويركز بشكل أساسي على قطاعين مهمين، وهو نقل التكنولوجيا الحديثة، في مجال الري، والإدارة الرشيدة للموارد المائية، حيث يعاني العراق مشاكل في هذا الجانب، بسبب تقادم أو عدم دخول الأساليب الحديثة في الري، وهو ما يسبب هدرا للمياه.
وأطلق العراق مبادرات وطنية مهمة لتعزيز الطاقة وترشيد الاستهلاك، بالإضافة إلى مبادرة التشجير، بمشاركة عدة لجان، متخصصة، لكن هل تصلح هذه المبادرات في التصدي لتأثيرات التغيرات المناخية، وتناسب البيئة العراقية.
كذلك توجه العراق الآن نحو استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لإنشاء مصدات للرياح، حول المدن وخارجها.
ويؤكد وزير البيئة العراقى نزار ئاميدى عزم حكومة بلاده على تعزيز ودعم العمل البيئي وتقليل تأثير التغيرات المناخية من جفاف وتصحر وعواصف ترابية.
وأكد ئاميدى وجود رغبة حقيقية وسعي مستمر من قبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتنفيذ متطلبات وثيقة المساهمات الوطنية العراقية واتفاق باريس للمناخ، منوها بالاهتمام بتعزيز الاستثمار بالقطاع الخاص ما بين الوزارة والدول الصديقة في الملف البيئي بقطاعاته كافة أهمية وأولوية خاصة.
لا تقف التحديات المناخية والبيئية التي يواجهها العراق عند مشكلة الجفاف ولكن تتراكم تلك التحديات على كاهل العراق بسبب مخلفات الحروب والألغام الموجودة في الأرض، فضلا عن كمية التلوث في المياه وقضايا النفايات والاكتظاظ والتلوث البيئي والذهني والسمعي والبصري.
Cop28
العراق أحد أطرافِ اتفاقيةِ الأممِ المتحدة لتغيّر المناخ، ويعاني من الآثارِ السلبية الناجمة عن الاحتباس الحراري، ويتشارك مع المجتمع الدولي في الجهودَ الرامية إلى تخفيف حدة الظاهرة برغم خصوصية تجربته التي شابها الإرهابِ والعنف.
ويظل على الحكومة العراقية العمل على تنويع مصادر الاقتصاد وتوطين سبلِ الاستثمار المناخي في مختلفِ القِطاعاتِ الحيوية والعمل على خلقِ بيئة ملائمة ومعززة لمفاهيم النمو الأخضر، ولعل مؤتمر الأطراف cop28 الذي ستستضيفه دولة الإمارات مناسبة لدعم جهود العراق ورافعة لتعاون إقليمي ودولي مع هذا البلد لتحقيق الامن المناخي للعراق وللمنطقة بشكل عام.
وفي هذا السياق يأمل العراق في تحقيقَ إسناد دولي يساعد في المضي بهذه السياسات وتفعيل الخطط والاستراتيجيات بما يؤدي إلى اعتمادِ الطاقات المتجددة والآليات النظيفة ويدعم جهود تقليل الانبعاثات ويُسهم بحفظِ البيئة وسلامةِ المناخ.
وإذا كانت أنظار العراق والعالم تتجه صوب cop28 فإن على الأطراف الدولية الوفاء بالتزاماته بتمويل العمل المناخي في البلدان النامية، بما في ذلك العراق، بالإضافة للتمسك بالتزاماتها المناخية ومواصلة تطويرها (المساهمات المحددة وطنياً) مع نقل روح تغير المناخ والوعي به مرة أخرى إلى العراق.