الانتخابات العراقية.. هل تدفع تعقيدات المشهد للتأجيل؟
رغم إغلاق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باب التشكيك بتأجيل الانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فإن المشهد لا يعكس ذلك.
فتعقيدات المشهد السياسي الحالي وطبيعة الصراع المتنامي تغذي فرص الذهاب نحو موعد ثالث للانتخابات، بل تتسرب بين الحين والآخر دعوات غير معلنة رسميا، من أطراف سياسية عن مساعٍ لقوى وكيانات حزبية فاعلة، للدفع باتجاه ترحيل الانتخابات إلى العام المقبل.
وكان رئيس الوزراء العراقي قد حدد الـ6 من يونيو/حزيران الماضي موعداً للانتخابات البرلمانية، ولكن وتحت جملة من الأسباب التي قدمتها المفوضية العليا عادت بغداد للدفع بتأجيل إجرائها إلى 10 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وأمس الأحد، جدد الكاظمي خلال لقاء مع قناة "العربية"، تابعته "العين الإخبارية"، تعهدات حكومته بتوفير كل من شأنه إنجاح الانتخابات وتحقيق عملية الاقتراع.
ووصف ادعاء البعض بتأجيل الانتخابات والذهاب نحو حكومة طوارئ بأنه "وهم"، مردفاً بالقول "سنحمي الانتخابات وأدعو الناشطين للمشاركة بقوة وتحفيز الناس".
وبشأن حمى التنافس الذي يصل إلى مرحلة الضرب "فوق الحزام"، قال الكاظمي "سندعو لاجتماع للقوى السياسية لإعلان مبادئ المنافسة الشريفة".
خطر أمني متصاعد
ويؤكد الخبير بالشأن الانتخابي، حسن هاشم، أن "ضمان وصول الناخب إلى صناديق الاقتراع، ينبغي أن يتحقق قبل الموعد بشهور، بغرض تهيئته لمنح صوته دون أي ضجيج أو محاولات تضليل".
وتعكّر التطمينات بتحقيق انتخابات نزيهة في موعدها بعد نحو 3 أشهر، الأحداث المتسارعة في العراق باستهداف شبكات أبراج الطاقة ومسلسل اندلاع الحرائق والتسبب بكوارث إنسانية؛ ضمن برنامج لاستنزاف الجهود والدفع نحو تعويم صناديق الاقتراع نحو المجهول، كما يقول هاشم.
ويبين هاشم، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "المشهد العراقي يتسم بالتأزم والتعقيد يوماً بعد يوم وكلما تقلصت المسافة باتجاه صناديق الاقتراع كلما اشتدت حمى الاستهداف والمواجهة التي تأتي تحت دوافع انتخابية، وهو ما يهدد بإفراغ الانتخابات المقبلة من قيمتها والمأمول منها في تمثيل إرادة الجماهير".
وأضاف: العراق وإن أعلن استكمال كافة المستلزمات الفنية واللوجستية لتحقيق الاقتراع المبكر في موعده، إلا أن بيئته الأمنية، وتأثير السلاح المنفلت فيه، ما زال يهدد بجماهيرية تلك الانتخابات ونزاهة النتائج التي تفرزها الصناديق.
ويوضح الأكاديمي والخبير بالشأن الانتخابي حسن هاشم، أن "انتخابات أكتوبر هي الأعنف في مستويات التنافس والصراع في تاريخ العراق ما بعد 2003، حيث ذهب المواطن في المستشفى والمنزل ضحية لذلك الصراع غير الشريف"، مضيفا: "كلما اقتربنا من أكتوبر كان وقع الأحداث والاستهداف أكبر".
إزاء ذلك يرى المحلل السياسي، سلوان أحمد، أن تلك الأحداث تأتي ليس للتأثير في قرار الناخب وإنما لوأد الانتخابات وتحقيق أكبر قدر ممكن من العزوف عنها.
وتحدث الممارسات بدوافع عدة، كما يقول أحمد لـ"العين الإخبارية"، في مقدمتها أن الكثير من القوى السياسية المؤثرة في المشهد العراقي طوال العقدين الماضيين، فقدت جمهورها وباتت برامجها الانتخابية مكشوفة أمام الجماهير.
غياب الصدر
في الأسبوع الماضي، جاء قرار مقاطعة مقتدى الصدر الذي يتزعم أكبر كتلة برلمانية (سائرون)، في البرلمان العراقي، لصناديق الاقتراع، مفاجئاً للأوساط العامة والقوى السياسية، مما فتح باب الاحتمالات القلقة إذا ما كان الأمر لتشجيع الدعوات "الخجولة" من بعض القوى الرامية لتأجيل الانتخابات.
وكان الصدر أكد خلال الأيام الماضية، وفي أكثر من مرة، أن مرشحي كتلة "سائرون" سيحصدون أعلى الأصوات بما يؤهلهم لتمرير رئيس الوزراء الذي تفرزه انتخابات أكتوبر.
وتضاربت آراء الكثير من المعنيّين بالشأن السياسي بشأن تداعيات ذلك الانسحاب وتأثيره على انعقاد الانتخابات في موعدها المقرر.
ويتحدث رئيس مركز "التفكير السياسي"، الأكاديمي إحسان الشمري، لـ"العين الإخبارية"، عن طبيعة المشهد الانتخابي ما بعد مقاطعة الانتخابات.
ويرى أن انسحاب الصدر من العملية الانتخابية قد زاد الوضع سوءاً مما هو عليه من قبل، وخصوصا أن الناخب يعاني مسبقا من اهتزاز في الثقة إزاء العملية السياسية برمتها.
وبانسحاب الزعيم الصدري تكون معادلة الأقوياء في المشهد السياسي الشيعي تحديدا، قد فقدت أحد أركانها الرئيسة، وبالتالي فإن النتائج المترتبة من الانتخابات ستخرج لنا بتركيبة جديدة مختلفة فاقدة للاستقرار والاستمرار، يقول الشمري.
ترجيح التأجيل
ويستدرك رئيس مركز "التفكير السياسي" بالقول: "الانتخابات التي عقد عليها الشارع الاحتجاجي، الآمال والأمنيات قد فقدت بريقها وقدرتها على تمثيل تلك التطلعات.
ويلفت إلى أن "كل المؤشرات تدل على أن انتخابات أكتوبر/تشرين الأول ستكون غير فاعلة، وأن قوى حليفة لإيران هي الآن من تتسيد المشهد، فضلاً عن نفوذ المال السياسي وتأثيره في الشارع الانتخابي.
ويتقارب مع هذا الطرح، رأي الخبير القانوني طارق حرب، الذي يرى أن "إجراء الانتخابات بدون الصدريّين له تداعيات خطرة على الواقع السياسي، وسيفسح المجال أمام التيارات الأخرى التي تمتلك السلاح لملء الفراغ".
وتوقع حرب، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، تأجيل الانتخابات إلى موعدها الدستوري المحدد في أبريل / نيسان المقبل في حال فشلت الأطراف في إقناع الصدر بالعدول عن قراره.
ويرجع الشمري أيضا الذهاب نحو تأجيل الانتخابات، وخصوصاً ان بعض القوى السياسية وجدت في تحرك الصدر ما يمكن أن يتوافق مع رغبتها الحقيقية العميقة وخصوصا طبقات الإسلام الشيعي، التي تدرك أنه ليس لها حظوظ كافية لحصد أوزان ثقيلة في اقتراع أكتوبر/تشرين الأول.
aXA6IDMuMjMzLjI0Mi4yMTYg
جزيرة ام اند امز