نيران المكتوين بكورونا العراق.. حوادث أم حرائق سياسية؟
قبل أكثر من 3 أشهر، كان العراقيون على موعد مع فاجعة ثقيلة من ليالي أبريل/نيسان الماضي، عندما اندلع حريق بمبنى مستشفى ابن الخطيب جنوب العاصمة بغداد، الذي كان مخصصاً لمرضى كورونا.
بدأت أحداث التهاب النيران للراقدين وطوابق المستشفى حينها أقرب إلى مشهد سينمائي مروع، فيما الفارق في ذلك أن المخرج ما زال مجهولاً حتى اليوم.
انتهت إحصائية الفاجعة بمصرع 92 شخصاً وإصابة اكثر من 110 آخرين، قدم على أثرها وزير الصحة، حسن التميمي، استقالته، فيما لم تكشف اللجان التحقيقية التي شكلت بموجب ذلك الحادث أي نتائج ملموسة.
سلسلة المآسي من هكذا نوع لا تريد أن تتوقف عند حدود العاصمة، حينما اندلع حريق آخر قبل 6 أيام عند مركز عزل لمرضى كورونا في محافظة ذي قار جنوب العراق، تشابهت من خلاله الوقائع والضحايا والجثث المتفحمة.
كارثة أخرى جاءت على وقع ارتفاع درجات حرارة الصيف اللاهب في العراق يرافقها انقطاع للتيار الكهربائي، وجملة الاضطرابات التي استبقت ذلك الحادث المروع.
ومع التحذيرات التي أطلقتها فرق الدفاع المدني ودوائر السلامة في العراق، بعد أيام من كارثة "ابن الخطيب"، خشية تكرار ما حدث إلا أن مرضى كورونا وعلى ما يبدو قدرهم أن يكافحوا الفيروس بالحرق وليس بالمضادات واللقاح.
"من أحرقني؟"
كانت النيران قد التهمت في ليلة الإثنين الـ12 من يوليو/تموز، مركز النقاء المخصص لعزل المصابين بفيروس كورونا بالكامل وحاصرت مئات من المرضى ومرافقيهم ما أدى إلى تفحم 64 جثة 22 منها ما زالت مجهولة الهوية من أثر التشوهات التي لحقت بها.
وشاركت 28 فرقة إطفاء بإخماد الحريق الذي تواصل لنحو 3 ساعات فيما أسهمت جهود مئات المتطوعين وأسر الضحايا بإنقاذ 50 شخصا من المرضى المحاصرين بالنيران وإجلاء جثث الضحايا.
رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وصف تلك الحادثة بأنها "مس بالأمن القومي العراقي، ونكسة بكل ما للكلمة من معنى"، ولكن ذلك لا يشفع لذوي الضحايا والجماهير الغاضبة التي تطرح السؤال "من أحرقني؟".
وأطلق مدونون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملت اسم "من حرقني؟"، تضمنت التحشيد لتظاهرات احتجاجية في مدن العراق للضغط على السلطات الحكومية في استعجال التحقيقات والكشف عن المقصرين.
وعلى خلفيه الحريق وارتفاع أعداد الضحايا وجه الكاظمي بسحب يد وحجز مدير صحة ذي قار، صدام الطويل، ومدير المستشفى، ومدير الدفاع المدني في المحافظة، وإعلان الحداد العام في العراق، فضلا عن تشكيل لجنة وزارية للتحقيق في الحادث.
وكشف قائد شرطة ذي قار، الفريق سعد علي عاتي حربية، في تصريحات صحفية تابعتها "العين الإخبارية"، أن "التحقيقات الأولية في حريق مركز عزل النقاء بمدينة الناصرية اشارت لتصاعد أعمدة دخان من إحدى الغرف داخل المركز قبل أن تلتهم السنة النيران المبنى بالكامل".
وأضاف حربية أن "قسم الأدلة الجنائية في عمليات سومر اكتشف من خلال مراجعة كاميرات المراقبة تصاعد أعمدة الدخان من الغرفة الرابعة من الجانب الأيسر لمركز العزل قبل أن يمتد الحريق لأقسام أخرى ويتحول إلى حريق مفجع".
وقبل 3 أيام، أصدرت محكمة تحقيق الناصرية المختصة بقضايا النزاهة أوامر توقيف بحق ١٣ متهما بينهم مدير صحة المحافظة على خلفية حريق مركز النقاء الخاص بعزل مصابي كورونا في مستشفى الحسين التعليمي.
وعزا مدير الدفاع المدني في ذي قار، العميد صلاح جبار، أسباب الحريق لانفجار منظومة الغاز في مركز العزل، مشيرا إلى أن تشييد المركز بمادة "السندويج بنل" القابلة للاشتعال هو ما فاقم الخسائر والأضرار الناجمة عن الحريق.
حرائق سياسية
قبل يومين، أوقفت إدارة مستشفى الفرات الأوسط عند مدينة الكوفة، فتى لا يتجاوز العقد والنصف من العمر، كان يحاول إشعال النار في قنينة أوكسجين. اعترف الصبي أنه دُفع لإشعال حريق بالمبنى بتكليف من أشخاص يجهل عناوينهم وأسمائهم، بحسب ما ادعى.
صبيحة يوم الإثنين الماضي، الذي وقعت عند مسائه فاجعة الناصرية، كان حريقاً اندلع بمبنى وزارة الصحة ببغداد وتبعها بعد ذلك اندلاع نيران بمطار المثنى العسكري عند شمال العاصمة، وأخر مماثل بسوق شعبي بمدينة الصدر المكتظة بالسكان.
يقول مصدر أمني مطلع، رفض الكشف عن أسمه ،إن "حرائق المستشفيات والمباني الحكومية في أغلبها الأعم ناجمة عن تخطيط وتحضير مسبق لجهات تحاول استثمار دماء الضحايا سياسياً".
ويؤكد المصدر خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الحرائق لم تسجل أبدا في المستشفيات الأهلية أو مباني القطاع الخاص كونها ليست جزءاً من أدوات المعركة والصراع السياسي في العراق".
وبشأن الأبنية "الكرفانية" غير الآمنة للتعامل معها كمراكز طبية، يوضح المصدر، أن "مستشفى ابن الخطيب الذي وقعت عنده الفاجعة قبل 3 أشهر، لم يكن من (السندويتش بنل) القابل للاشتعال، وكذلك ما حدث في مبنى وزارة الصحة وغيرها"، مستدركاً بالقول: "الحكومة تدرك جيداً انها هجمات وليست حوادث ولكن لا تستطيع المواجهة".
وحول الجهات المقصودة من الاستهداف، يشير إلى أن "كل ما يجري من حرق للمستشفيات وقبلها استهدف لأبراج الطاقة الكهربائية هي محاولات من جهات (مليشياوية)، غايتها تثوير الشارع ضد الكاظمي وحرف الرأي العام نحو جوانب أخرى".
يقول أحد ذوي ضحايا حريق الناصرية، فقد اثنين من عائلته الأسبوع الماضي، إن "ما حدث ليس إهمالاً في تأمين مستلزمات السلامة في مستشفى الحسين وإنما صراع انتخابي بين قوى سياسية جاء على شكل نيران".
استقالات خشية المسؤولية
يكشف مدير عام صحة ذي قار، سعدي الماجد، عن تقديم مديري المستشفيات الحكومية استقالات جماعية فيما يتهرب أخرون من شغل المناصب خشية تعرضهم للملاحقة في حال حصول أي طارئ على غرار حادث حرق مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية.
وقال الماجد في تصريح تابعته "العين الإخبارية"، إن "قرارات إلقاء القبض على عدد من الأطباء بقضية فاجعة مركز النقاء بمدينة الناصرية، قبل إنهاء الإجراءات التحقيقية داخل الدائرة، أدت لهروب الأطباء وعدم القبول بتسلم المنصب خلال الفترة المقبلة ونعتبر الأمر ظلما بحقهم".
وأضاف الماجد، أن هذا الأمر دفع أيضا مديري خمس مستشفيات كبرى في مركز المحافظة والأقضية إلى تقديم استقالاتهم من مناصبهم.
وبين، أن دائرته فاتحت، على الفور، وزارة الصحة لـ"غرض إلغاء منصب مدير المستشفى، وتحويله إلى شخصين اثنين الأول فني يمثل الأمور الطبية، والآخر إداري يمثل الأمور اللوجستية التي تتعلق بالإدارة".
وأشار الماجد إلى أن "هذا النظام معمول به عالمياً في الوقت الحالي"، منوها إلى أن "منصب مدير المستشفى تم وضعه بموجب المحاصصة من قبل الأحزاب".
وتابع مدير عام صحة ذي قار، أن إدارته أعلنت منذ أول يوم أنها ستحارب المحاصصة وتقيل كل شخص له ولاء حزبي أو سياسي، والعمل على خدمة مواطني المحافظة فقط، بعيدا عن الجهات السياسية.
وأوضح الماجد، "حاليا يتولى الأمور الفنية للمستشفيات الخمسة في المحافظة بصفة أدنى، مع شخصية إدارية تدير المنصب معه"، منوها إلى أن "الأيام المقبلة ستشهد حل الأمر وإقناع مجموعة من الأطباء لقبول تولي المناصب الفنية في المستشفيات، بعيدا عن الأمور الإدارية التي سيتولاها أشخاص آخرون".
aXA6IDE4LjIxOC43NS41OCA=
جزيرة ام اند امز