أسباب انقطاع الكهرباء في العراق.. مليارات جيدة وفشل بامتياز
مع ارتفاع درجات الحرارة التي تجاوزت الـ50 في عدد من محافظات العراق، ترتفع حدة الغضب الجماهيري من سوء الخدمات العامة خاصة الكهرباء.
في ظل تراجع كبير بمستوى تجهيز الطاقة وصل إلى نحو 16 ساعة قطع في اليوم الواحد.
وخلال السنوات الـ6 الأخيرة، دائما ما يحرك صيف العراق اللاهب التظاهرات الاحتجاجية في مدن البلاد لانقطاع الكهرباء.
- حرب المياه تدق طبولها في العراق.. دجلة يموت والفرات يجف
- 6 أشهر على "تعويم" الدينار.. هل "نجا" اقتصاد العراق؟
أرقام فلكية
ورغم الأرقام الفلكية التي أنفقت على استعادة البنى التحتية للكهرباء والتي تقدر بنحو 80 مليار دولار منذ عام 2003، إلا أن جميع الحكومات المتعاقبة في العراق قد فشلت في وضع الحلول والمعالجات الناجعة.
وشهدت بعض محافظات العراق تظاهرات شعبية على وقع انقطاع تام للتيار الكهربائي استمر نحو 72 ساعة في مدن العراق الجنوبية، طالبوا من خلالها بمحاسبة المقصرين وإحكام مؤسسات الدولة من منافذ الفساد التي أطاحت بأموال طائلة تحت غطاء مشاريع وهمية.
وجاءت أزمة شح الطاقة في العراق مبكراً خلال الموسم الحالي بعد أن كانت تسجل ذروة الانهيار الأيام الأخيرة من يوليو في كل عام.
وغذت أزمة انقطاع الكهرباء خلال الصيف الحالي أسبابا عدة سرعت في دخول "جهنم" الحر مبكراً، بينها انقطاع إمدادات الطاقة والغاز الإيراني التي يعتمدها العراق منذ سنوات لسد العجز في الإنتاج المحلي.
وكانت إيران أقدمت مؤخراً على قطع إمداداتها من الغاز والكهرباء إلى العراق بسبب الديون المترتبة على الأخير والتي تصل إلى نحو 4 مليارات دولار.
كهرباء العراق توضح
وفاقم من تراجع مستويات التجهيز من التيار الكهربائي، الاستهدافات التي شهدتها أبراج نقل الطاقة والتي بلغت نحو 30 عملية تفجير خلال شهر واحد، فيما تتحدث بعض المصادر عن جهات تقف وراء تلك الأعمال لتحقيق أهداف سياسية ومالية.
وعزا مصدر في وزارة الكهرباء اليوم الجمعة سبب الانقطاع التام للطاقة في محافظات العراق كافة باستثناء إقليم كردستان إلى التفجيرات التي طالت مؤخرا أبراج الطاقة الأمر الذي أدى إلى تفعيل نظام الحماية الذاتي لمنظومة الشبكة الوطنية.
وقال المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، إن تفجير عدد من أبراج نقل الطاقة الكهربائية في محافظة نينوى وصلاح الدين تسبب بانخفاض معدل التجهيز إلى أكثر من ألف ميجاواط مما تسبب ذلك في تغيير ترددات نقل الطاقة وإرجاع الحمل إلى محطات الإنتاج والتوليد.
ودفع فشل المحطات في الصمود أمام درجات الحرارة وما ترافق معها من تظاهرات ساخطة وزير الكهرباء ماجد حنتوش إلى تقديم استقالته بعد نحو عام من تسلم ذلك المنصب.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت في يونيو/ حزيران الماضي، عن شروعها بالتفاوض مع شركات صينية لشراء طائرات مسيرة واستخدامها في حماية خطوط نقل الطاقة والمنتجات النفطية من الهجمات شبه المتكررة.
وتقع أغلب عمليات الاستهداف التي تطال أبراج نقل الطاقة الفائقة عند المناطق الشمالية من العراق.
أزمة سياسية وليست تقنية
في يوليو/تموز قبل عام من الآن، وجهت رئاسة البرلمان بتشكيل لجنة للتحقيق في عقود وزارة الكهرباء التي أبرمتها منذ عام 2005على خلفية وجود شبهات فساد ومشاريع وهمية.
وكشفت لجنة التحقيق بعد 5 أشهر من تشكلها عن سير التحقيقات التي وصلت إليها، موضحة أن مجموع الإنفاق على الكهرباء بلغ خلال 14 عاماً نحو 63 مليار دولار، ترافق معها الإطاحة بعدد من المسؤولين في الوزارة بتهم فساد بينهم الوكيل الفني الأقدم رعد الحارس.
يقول المحلل السياسي علي الكاتب، إن "ما حدث في وزارة الكهرباء من هدر في الأموال الطائلة دون جدوى كان بفعل مخطط ومقصود لكونها مثلت أحد أهم أوردة المال السياسي غير المشروع لعدد من القوى والأحزاب في مراكز القرار".
ويوضح الكاتب لـ"العين الإخبارية"، أن "تلك الأموال أسهمت في صنع ترسانات ومافيا اقتصادية كبيرة وفرت الامتداد وضمان البقاء لتلك الأحزاب والكيانات بما حدث اليوم أن تكون أثقالها تتوازى مع ما تحققه موازنات بعض الدول".
إلى ذلك يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء، رفض الكشف عن اسمه، أن "انهيار الطاقة الكهربائية أمر متوقع وليس بالشيء الطارئ والمفاجئ، وأغلب الذين تقلدوا المناصب المتقدمة في الوزارة يدركون ذلك".
ويبين المصدر، لـ"العين الإخبارية"، أن "وزارة الكهرباء ما بعد 2003، كانت وما زالت مرتعاً للمليشيات المتنفذة التي هي من تتولى الإشراف على العقود والمناقصات بشكل مباشر".
ويستدرك بالقول: "هنالك إرادة لبقاء الطاقة الكهربائية في غرفة الإنعاش ولن يسمح لها بالتعافي أبدا كون ذلك يمثل إفلاسا مالياً لتلك القوى واقتصادياً لدول تعتاش على أزمة الطاقة في العراق"، في إشارة إلى الجارة إيران.
ويعتمد العراق على استيراد الطاقة والغاز من الجارة إيران لسد احتياجاته من النقص الحاصل في الكهرباء، بكلفة سنوية تصل نحو 4 مليارات دولار.
الحلول والمعالجات
يرى الخبير الاقتصادي، خالد الشمري، أنه كان من المفترض ان يصل العراق إلى طاقة إنتاجية تصل لنحو 34 ألف ميجا واط، قبل عقد من الزمن ولكن الفساد المالي والسياسي حال دون ذلك.
ويلفت الشمري لـ"العين الإخبارية"، إلى أنه "جراء ذلك الفساد تكبد العراق خسائر اقتصادية ومعاناة إنسانية كبيرة بسبب تعثر دوران ماكنة الطاقة الكهربائية".
ويستدرك بالقول "الحلول والمعالجات ما زالت ممكنة إذا ما توافرت الإرادة الوطنية والتخطيط الصحيح من خلال التعاقد مع الشركات العالمية المعروفة باعتماد القروض بدلاً من استهلاك المليارات سنوياً في استيراد الغاز والطاقة من إيران".
ويعطف بالقول: "حجم الاستيراد العراقي من إيران يصل لنحو 13 مليار دولار سنويا، بينها 4 مليارات على النفط والغاز في وقت تعاني الموازنة الاتحادية من عجز يصل أكثر من 28%".
من جانبه، يشير خبير الطاقة علاء الأسدي، إلى أن "ارتفاع أسعار النفط والفروقات المتحققة مقارنة بما تضمنته موازنة 2020، توفر المال اللازم للذهاب نحو استثمار الكهرباء والانتهاء من تلك الأزمة بغضون سنتين".
ويوضح الأسدي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الإيرادات المتحققة جراء فرق أسعار النفط الخام لشهري أبريل ومايو، اقتربت من الأربعة مليارات دولار وهي تكفي لإنشاء أربع محطات بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى 4 ميجا واط".
ويشدد الأسدي على ضرورة الاستفادة من خبرات الدول التي وجدت حلولاً لأزمات كانت تعانيها في مجال الطاقة"، لافتاً إلى أن "مصر لديها تجربة ناجحة في هذا المجال ينبغي التركيز عليها باهتمام كبير".
وتبلغ الحاجة الفعلية للعراق لسد احتياجاته من الطاقة الكهربائية نحو 28 ألف ميحا واط، فيما تبلغ نسبة العجز الحالية 12 ألف ميجا واط.
ووقعت بغداد إبان حكمة حيدر العبادي، اتفاقاً مع الرياض ، عام 2017، لإنشاء منظومة الربط الخليجي لتعزيز المنظومة العراقية ورفدها بسد احتياجها من الطاقة.
وكانت وزارة الكهرباء العراقية أعلنت قبل يومين، على لسان المتحدث باسمها، أحمد موسى، أن منظومة الربط الخليجي ستدخل العمل الفعلي مع حلول صيف عام 2022.
aXA6IDMuMTM4LjExNC4xNDAg جزيرة ام اند امز