أزمة الكهرباء في العراق.. من يقف خلفها؟
تتسارع أزمة الكهرباء بالعراق مع اشتداد حرارة الصيف وبلوغها أرقاما قياسية، مشكلة فاقمتها العديد من العوامل، ولكن الخاسر الوحيد هو العراقي.
الفساد، والسياسات الخاطئة، والتدخلات الخارجية، والاستهداف المتكرر لأبراج الطاقة، أسباب اعتبرها البعض تقف عائقا أمام حل المشكلة المتفاقمة منذ عقود يدفع ثمنها العراقي الذي يعاني ويلات ارتفاع درجات الحرارة.
محافظات عراقية شهدت، مؤخراً، موجة "غير مسبوقة" من عمليات استهداف أبراج نقل الكهرباء، خاصة تلك الواقعة في مناطق بعيدة وغير مأهولة بالسكان، وهو ما دعا القوات الأمنية إلى التحرك سريعاً لمواجهة هذا المأزق، في ظل النقص الحاصل بتجهيزات المراقبة.
وتحملت محافظات صلاح الدين، وكركوك، وأجزاء من ديالى، النسبة الأكبر من الاستهدافات، التي تتم غالباً بالعبوات الناسفة، وتفجيرها عن بعد، وهو ما يدعو القوات الأمنية إلى الاعتقاد بأن تنظيم داعش الإرهابي هو المتورط بتلك الأعمال، خاصة أنها تقع في مناطق تشهد غالباً نشاطاً للتنظيم.
التحركات الأمنية بدأت تؤتي ثمارها في إحباط المحاولات المستمرة لتفجير أبراج الطاقة، وأحدثها قتل القوات الأمنية "إرهابيا" كان يحاول تفجير أبراج الطاقة شرقي البلاد.
وقالت خلية الإعلام الأمني العراقية الثلاثاء: "بعد الهزائم المتلاحقة لعناصر داعش الإرهابية، تحاول الإضرار بأبراج الطاقة الكهربائية، إلا أن يقظة القوات الأمنية والجهود الميدانية والعمل الاستخباري مكنت الأجهزة الأمنية من إحباط عدد من المحاولات لاستهداف أبراج الطاقة الكهربائية".
وأضافت أن "القوات الأمنية قتلت إرهابيا بعد نصب كمين محكم له أثناء محاولته زرع عبوات ناسفة لتفجير برجين للطاقة الكهربائية في منطقة الكفاح شمالي قضاء المقدادية في محافظة ديالى".
وقبله بساعات، أحبطت القوات الأمنية أيضا، محاولة لاستهداف أبراج نقل الطاقة الكهربائية في منطقة حلوان وسيد جابر التابعة لناحية جلولاء في قضاء خانقين.
وأوضحت خلية الإعلام الأمني، أنه "من خلال المتابعة وتكثيف الجهود الميدانية، ووفقا لمعلومات استخبارية دقيقة، تمكنت القوات الأمنية في قيادة عمليات ديالى بالتنسيق مع شرطة جلولاء، من إحباط محاولة استهداف أبراج نقل الطاقة الكهربائية في منطقة حلوان وسيد جابر التابعة لناحية جلولاء في قضاء خانقين".
أزمات الكهرباء المتكررة والتي عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلها، دفعت وزير الكهرباء، ماجد حنتوش إلى تقديم استقالته الثلاثاء.
استقالة تأتي بعد تردٍ تام في ساعات توفير الطاقة الكهربائية، مع ارتفاع درجات الحرارة، التي وصلت إلى نحو 60 درجة تحت الشمس، و50 درجة في الظل بالعديد من المناطق العراقية.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، في تصريح لوكالة أنباء الإعلام العراقي "واع"، إن الوزير تقدم بالفعل باستقالته إلى رئيس مجلس الوزراء، رافضا الخوض بمزيد من التفاصيل.
الإرادة الخارجية
فشل العراق في تلبية احتياجاته من الكهرباء أرجعها البعض لأيد خفية تعبث بمقدراته، كشفها وزير الكهرباء العراقي السابق قاسم الفهداوي، عندما تحدث عن إرادات خارجية وداخلية عطلت استثمار الغاز المحروق المرافق لاستخراج النفط.
وقال الفهداوي، في تصريح متلفز تابعته "العين الإخبارية"، في وقت سابق، إن "البعض يعتقد أن مشكلة الكهرباء حلها بيد الوزارة فقط، لكن الحقيقة أن المشكلة متداخلة تشترك فيها وزارتا النفط والمالية والأجهزة الأمنية"، قائلا إن هناك صراعات رهنت استقرار تجهيز الطاقة الكهربائية بالشريان الإيراني.
وأضاف أن "وزارة النفط منذ 2008 وعدت بتوفير الغاز في عام 2013 لكل المحطات، وعلى هذا الأساس ذهبت وزارة الكهرباء باتجاه التعاقد للحصول على محطات، وبعد وصول الأخيرة وجدت وزارة الكهرباء أن الغاز غير متوفر لتلك المحطات، ما اضطرها للتعاقد مع إيران لتوريد الغاز".
ونوه بأن "وزير الكهرباء الأسبق عبدالجبار لعيبي حاول استثمار الغاز في حقل نهران عمر، لكنه واجه صعوبات كبيرة وتحديات تتمثل بمصالح بعض الأحزاب السياسية والتأثير الخارجي على هذا الملف"، مبينا أن "هذا الحقل كان بإمكانه توفير 75% من كمية الغاز القادم من إيران وبتكلفة بسيطة جدا".
ويعتمد العراق على استيراد الغاز من بعض الدول المجاورة والإقليمية، وتحتل إيران التوريد الأكبر، لتشغيل محطاته الكهربائية وهو ما يكلف سنويا نحو ملياري دولار.
سياسات خاطئة
ويقول الخبير الاقتصادي، فرات الموسوي، إن "السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة على حكم العراق ما بعد 2003، تسببت بتفاقم أزمة الطاقة الكهربائية واستهلاك مليارات الدولارات دون فائدة تذكر".
وأوضح فرات الموسوي، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "العراق وضع مصدر طاقته بمأزق خطير من خلال الاعتماد على الغاز المستورد لسد العجز الحاصل في مصافي النفط، على الرغم من أنه قادر على تجاوز تلك العقبة إذا توافر القرار الوطني لوضع أجندات فنية لتطوير مرافق الطاقة".
وأكد الموسوي، على أن "استهلاك موارد الدولة في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها العراق في موضوع استيراد الغاز، يضيف الكثير من الأعباء ويثقل موازنة البلاد المثقلة بالديون وسوء التخطيط والإنفاق".
ويستدرك بالقول "ارتباط مخططات الطاقة الكهربائية في العراق بإمدادات الغاز الإيراني سابقة خطيرة تهدد ملف أمن الطاقة وضرورة الالتفات إلى ذلك الأمر".
الفساد
وزير الكهرباء العراقي المستقيل ماجد مهدي حنتوش كشف عن صرف نحو 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ 2003 وحتى الآن، كموازنة تشغيلية واستثمارية في كل مفاصل المنظومة الكهربائية من بناء وتشغيل للمحطات، مبيناً أن تكلفة إنتاج الكهرباء عالية ومن ضمنها شراء الوقود.
وقال حنتوش في لقاء متلفز، إن الإنتاج الحالي للكهرباء يبلغ 16 ألف ميجاواط، وأُكملت 90% من أعمال الصيانة للمحطات الكهربائية ليرتفع الإنتاج بمقدار 4 آلاف ميجاواط عن العام السابق، وهذا يعتمد على تجهيز المحطات الكهربائية بكامل حاجتها من الوقود"، لافتاً إلى أن العام السابق بلغ ذروة الإنتاج بـ17 ألف ميجاواط.
ووفق متخصصين في القطاع، ينتج العراق 19 ألف ميجاواط من الطاقة الكهربائية، فيما يحتاج إلى ما يتجاوز 30 ألفا.
جهات مستفيدة
النائب في البرلمان العراقي، عن محافظة صلاح الدين جاسم الجبارة، قال إن "جهات مستفيدة تقف وراء عمليات الاستهداف المتكرر لأبراج نقل الطاقة"، مشيرا إلى أن "هناك شخصيات تتاجر في الوقود، المجهَز للمولدات الأهلية، وفي حال استمرت الطاقة الكهربائية، فإنه سيتعرض إلى خسائر".
وأضاف، في تصريح لـ"سكاي نيوز"، أن "الجهات المستفيدة، ربما تكون من وزارة الكهرباء نفسها، خاصة العاملين على الصيانة، أو مصنعي الأبراج، وربما حتى جهات أمنية، تكون مستفيدة من ذلك، ولا ننفي أن يكون داعش متورطا أيضاً".
ويعتمد العراق على مولدات أهلية، يملكها تجار أو مواطنون عاديون، لتغطية جزء من التشغيل اليومي، حيث لا توفر الشبكة الوطنية ساعات تجهيز كاملة، كخطة بديلة، فيما تمتلك شبكات سياسية وجهات متنفذة بعض تلك المولدات، التي تدر أرباحاً طائلة، مع ارتفاع المبالغ المتحصلة جرّاء الاشتراكات الشهرية.