ذكريات أليمة تأبى النسيان في حياة الإيزيديين وهم يستحضرون اليوم مأساة لا تمحوها الأيام من سجل الذاكرة المؤرشفة.
إنه الثالث من أغسطس/آب 2014، في ذلك الصيف اللّهاب، حين اقتحمت جحافل تنظيم "داعش" الإرهابي، إقليم سنجار شمالي العراق، وارتكبوا أبشع المجازر بحق رجاله ونسائه وأطفاله، حيث مارسوا القتل والخطف والاستعباد والاغتصاب.
"إبادةٌ" دخلت الذاكرة الجماعية للشعوب من أوسع أبوابها، قبل أن تقرها المحاكم والأنظمة، لتشهد على إرهاب تنظيم حوّل حاضنات الحياة في بلدان عدة إلى طين معجون بدماء وآهات أهلها، ومأساة الإيزيديين ليست استثناء.
واليوم ومع مرور الذكرى التاسعة على جريمة الإبادة بحق الأقلية الإيزيدية في العراق، تنقل "العين الإخبارية" شهادات لناجين ينشدون دواء العدالة لداء الظلم.
قصص لمستها "العين الإخبارية" قبل أن تستمع إليها، خلال زيارتها لمخيم شاريا التابع لمدينة دهوك، وهو من بين 15 مخيما للنازحين من سنجار موجودة جميعها ضمن حدود المحافظة.
ويسكن شاريا وحده 2471 عائلة نازحة، بواقع 12889 نازحا، فيما تضم جميع المخيمات 26870 عائلة، بواقع 135646 نازحا يتحسسون الجرح الغائر كل صباح، على أمل أن تتحقق العدالة.
فقدان العائلة والأقارب
كَوري قاسم حجي، إيزيدية فقدت عشرة من عائلتها وعائلة زوجها أثناء هجوم "داعش"، على سنجار، بينهم طفلها صلاح (ست سنوات)، بعد أن اختطفه التنظيم رفقة والده حسن خضر مراد وثمانية آخرين.
عاد خمسة من المختطفين حتى الآن، وبقي طفلها وزوجها وثلاثة آخرون، ولا يعرف أحد عن مصيرهم شيئا، لتعيش هذه الأم سنوات صعبة بين ألم الفقد وحيرة المصير.
وتقول لـ"العين الإخبارية": "زوجي وابني بين المختطفين والبقية هم والد زوجي وزوجته وأخوه, عاد خمسة منهم وما زال خمسة مختطفين حتى اليوم"
وتابعت "طلبنا الوحيد استعادة مختطفينا لا نريد أي شيئ آخر.. فقط نريد أن نعرف شيئا عنهم.. لا قدر الله هل توفوا أم أحياء؟".
ومضت قائلة "لن ننسى ما عشناه من مأساة حتى نفارق الحياة, إذا دفننا تحت التراب حينها سننسى".
الأحياء الأموات
باجو خلف حسين من مجمع تل عزيز جنوبي سنجار, يعيش في مخيم شاريا ولا يمكنه العودة لسنجار، فمنزله هناك مدمر، وجثث أقربائه لم تدفن حتى اليوم، والذكرى الأليمة تشعل قلبه.
في حديثه مع "العين الإخبارية"، يتساءل حسين "كيف ننسى وحتى الآن هناك عشرة أشلاء لأبناء عمومتي في البرية لم يذهب أحد هناك ليدفنها.. كيف ننسى وعشرة جثث لأقاربي هناك؟".
"نحن هنا حاليا والعودة صعبة.. لا يمكننا العودة؛ سنجار غير آمن والوضع فيه صعب ولا يوجد مكان نعود إليه.. كل منازلنا مدمرة لا يمكننا العودة"، يتابع حسين.
ويصف أحوال الإيزيديين "أحوالنا سيئة.. نحن أحياء ولكننا كمن في القبور.. هذه الخيم البيضاء تشبه أكفاننا".
ومضى قائلا "ماذا نفعل, كل منازلنا محترقة ومدمرة.. لا توجد دولة تتبنى إعادة بناء منازلنا لنرجع لها ولا أحد يقوم بإصلاح المياه والكهرباء هناك.. من دون منزل إلى أين أذهب؟"
وخلال الحملة الدموية، عمد داعش إلى استرقاق أكثر من 6،500 من النساء والأطفال، وتسبب العنف بتشريد أكثر من 350،000 في مخيمات النزوح شمالي العراق.
وحتى اليوم، لا يزال أكثر من 120،000 ممن عادوا إلى ديارهم يواجهون مصاعب تحول دون إعادة بناء حياتهم، كما يعيش معظمهم بدون خدمات حيوية منذ صيف عام 2014، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم ودعم سبل العيش.
وأمس الأربعاء، اعتبرت بريطانيا، الإيزيديين، ضحايا "ممارسات إبادة" على يد تنظيم داعش.
وفي عام 2021، قال فريق أممي إنه جمع "أدلة واضحة ومقنعة" على ارتكاب تنظيم "داعش" الإرهابي إبادة جماعية ضد الإيزيديين.
وقبل هجوم داعش على العراق عام 2014، كان يعيش 550 ألف إيزيدي في هذا البلد.
ووفق إحصاءات صادرة عن المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان العراق، قُتل نحو 1280 منهم، فيما يُتّم أكثر من 2300 طفل، وخُطف 6400 أُنقذ حوالى نصفهم أو تمكنوا من الفرار، خلال فترة سيطرة "داعش".