العراق و«التحالف».. انتهاء مهمة العقد بجدول زمني للانسحاب
بعد أشهر من المحادثات بين واشنطن وبغداد بشأن مستقبل التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، وصلت المفاوضات إلى محطة الاتفاق الرسمي، بإعلان جدول إنهاء المهمة العسكرية المستمرة منذ عقد.
ففي بيان أمريكي عراقي مشترك، قال البلدان، إن التحالف الذي تأسس عام 2014 لمساعدة القوات العراقية في استعادة مساحات شاسعة سيطر عليها تنظيم «داعش» في العراق وسوريا المجاورة، ستنتهي «في موعد لا يتجاوز نهاية سبتمبر/أيلول 2025».
مرحلتان
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، إن الجانبين اتفقا على «خطة انتقالية من مرحلتين»، تستمر الأولى منها حتى سبتمبر/أيلول من العام المقبل، وتتضمن «إنهاء وجود قوات التحالف في مواقع معينة بالعراق».
وأضاف أن التحالف سيواصل عمليته العسكرية في سوريا، مع السماح للقوات الدولية بدعم العمليات ضد تنظيم «داعش»، من العراق خلال المرحلة الثانية من الخطة والتي تستمر حتى سبتمبر/أيلول 2026.
لكنّ البيان المشترك والمسؤولين الأمريكيين لم يجيبوا عن السؤال الرئيسي حول العدد المستقبلي للقوات الأمريكية في العراق التي يناهز عددها 2500 جندي ضمن قوات التحالف.
وقال مسؤول دفاعي كبير: «لن نتحدث عن خططنا فيما يتعلق بمواقع قواعد محددة أو أعداد القوات»، مضيفا: «لقد أجرينا وسنستمر في إجراء حوار نشط مع حكومة العراق حول كيفية تطور علاقتنا الثنائية».
وجاء في البيان المشترك أن «العراق يواصل التعاون مع الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في التحالف لإقامة علاقات أمنية ثنائية حيثما كان ذلك مناسبا».
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي إن التحالف سينسحب من قواعد في بغداد ومناطق عراقية أخرى بحلول سبتمبر/أيلول 2025، ومن إقليم كردستان (شمال) المتمتع بحكم ذاتي بحلول سبتمبر/أيلول 2026.
وصرّح العباسي لتلفزيون الحدث بأن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال إن عامين غير كافيين لإكمال العملية، لكن بغداد رفضت اقتراحه بشأن عام ثالث إضافي.
بداية المغادرة
وبعد الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني، ستبدأ القوات الأمريكية في المغادرة من قاعدة عين الأسد الجوية في غرب العراق ومن مطار بغداد الدولي، بحسب مسؤولين بالحكومة العراقية تحدثوا لوكالة «أسوشيتد برس»، بشرط عدم الكشف عن هويتهم. وستنتقل هذه القوات إلى قاعدة الحرير في أربيل، في إقليم كردستان شمال العراق.
وقال المسؤولون الأمريكيون، إن المهمة العسكرية الأمريكية ستتحول في نهاية المطاف إلى علاقة أمنية ثنائية، لكنهم لم يشيروا إلى ما قد يعنيه ذلك بالنسبة لعدد القوات الأمريكية التي ستبقى في العراق في المستقبل.
وبحسب مسؤولين عراقيين، فإن بعض القوات الأمريكية قد تبقى في قاعدة الحرير بعد عام 2026 لأن حكومة إقليم كردستان ترغب في بقائها.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني في كلمة ألقاها هذا الشهر: «لقد اتخذنا خطوة مهمة في حل قضية التحالف الدولي لمحاربة داعش»، مشيرًا إلى «إيمان الحكومة بقدرات قواتنا الأمنية التي هزمت فلول داعش».
وبحسب «أسوشيتد برس»، فإن استمرار وجود القوات الأمريكية كان بمثابة نقطة ضعف سياسية بالنسبة للسوداني، الذي تخضع حكومته لنفوذ متزايد من جانب إيران.
ولقد ناضل العراق لفترة طويلة من أجل تحقيق التوازن بين علاقاته مع الولايات المتحدة وإيران، وكلتيهما حليف للحكومة العراقية، لكنهما عدوان لدودان لبعضهما.
تحذيرات ومخاوف
وقال قيس الخزعلي، مؤسس عصائب أهل الحق - وهي مليشيا شيعية عراقية مدعومة من إيران نفذت هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق - الأسبوع الماضي: «نشكر الحكومة على موقفها بطرد قوات التحالف الدولي».
لكن المنتقدين يحذرون من أن زيادة هجمات داعش هذا العام في سوريا عبر الحدود الصحراوية من العراق تشير إلى أن الانسحاب من العراق «يشكل سببا كبيرا للقلق»، بحسب تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في مركز أبحاث معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وقال ليستر إن الانسحاب الأمريكي من العراق لا يرجع إلى اختفاء تنظيم «داعش»، بل يرجع إلى وجود نسبة كبيرة من مجتمع صناع القرار في بغداد لا تريد وجود قوات أمريكية على الأراضي العراقية.
ويمثل هذا الاتفاق، المرة الثالثة خلال العقدين الأخيرين التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن انتقال رسمي لدور الجيش هناك.
ولقد غزت الولايات المتحدة العراق في مارس/آذار 2003 في إطار ما أسمته حملة قصف «الصدمة والرعب» الضخمة التي ألحقت الدمار بأجزاء كبيرة من البلاد، ومهدت الطريق أمام القوات البرية الأمريكية للتوجه إلى بغداد. وقد استند الغزو إلى مزاعم خاطئة مفادها أن صدام حسين كان يخبئ أسلحة الدمار الشامل سراً. ولم يتم التوصل إلى مثل هذه الأسلحة قط.
وفي عام 2014، أدى صعود تنظيم داعش، وسيطرته السريعة على مساحة واسعة من العراق وسوريا إلى عودة القوات الأمريكية التي غادرت في وقت سابق، وقوات الدول الشريكة بدعوة من الحكومة العراقية للمساعدة في إعادة بناء وتدريب وحدات الشرطة والجيش التي انهارت وهربت.
وبعد أن فقد تنظيم داعش سيطرته على الأراضي التي كان يسيطر عليها ذات يوم، انتهت العمليات العسكرية للتحالف في عام 2021. وظل هناك وجود أمريكي دائم يبلغ حوالي 2500 جندي في العراق للحفاظ على التدريب وإجراء عمليات مشتركة ضد تنظيم داعش مع الجيش العراقي.
ومنذ ذلك الحين، حافظت الولايات المتحدة على هذا الوجود للضغط على المليشيات المدعومة من إيران والناشطة في العراق وسوريا. كما أن وجود القوات الأمريكية في العراق يجعل من الصعب على إيران نقل الأسلحة عبر العراق وسوريا إلى لبنان، لاستخدامها من قبل وكلائها، بما في ذلك حزب الله اللبناني، ضد إسرائيل، بحسب «أسوشيتد برس».