ثمن غال بعد 21 عاما من الغزو الأمريكي.. العراق إلى أين؟
21 عاما مرت على الغزو الأمريكي للعراق، الحدث الذي لن يسقط من ذاكرة المنطقة، فلا تزال تداعياته مستمرة ودفع العراقيون الثمن غاليا.
وتحت شعارات "إحلال الديمقراطية وإسقاط الديكتاتورية وبناء دولية جديدة"، قاد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش تحالفه المضاد للعراق، وغزا هذا البلد الواقع في قلب الشرق الأوسط عام 2003، لكن الذي حدث عكس عبارات واشنطن الوردية تماما.
فإشكاليات الدولة العراقية منذ عام 2003، حسب مراقبين، تهدد بنيتها وكينونتها، نتيجة المد الطائفي وموجة الإرهاب، والانقسامات السياسية التي أخذت بعدا دينيا جغرافيا، له ارتدادات إقليمية.
العراق ما بعد 2003
من جانبه، قال محمد علي الحكيم المحلل السياسي العراقي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن العراق ما بعد 2003 لم يكن بمستوى الطموح بل أدنى بكثير، بسبب "الطبقة السياسية"، وكذلك بسبب تدخل العامل الإقليمي والدولي في الشأن العراقي.
وأضاف أن هذه التدخلات جعلت من العراق ساحة مجانية لتصفية الحسابات، وهذا يعود كذلك سببه إلى الطبقة السياسية التي سمحت للعامل الإقليمي والدولي أن يخلق من العراق ساحة تصفية حسابات مجانية، والضحية هو الشعب العراقي والسيادة المهدورة، حسب تعبيره.
وأكد أن ذكرى الغزو لا تزال حاضرة إلى حد الآن في أذهان الشعب العراقي، مشيرا إلى أن الفرق أنه في السابق كان العراق محكوما من قبل ديكتاتور واحد تم إسقاطه عام 2003، لكن أصبح العراقيون محكومين بعدة ديكتاتوريات من قبل الأحزاب والقوى السياسية.
وقال الحكيم إن هذا إلى جانب "اليد العليا" لبعض الدول الإقليمية والإقليمية والتدخلات في العراق في ظل سكوت خجول من قبل الحكومات المتعاقبة والأحزاب والقوى السياسية منذ الغزو.
وفتح الغزو الأمريكي البريطاني أبواب العراق على مصراعيها أمام التدخلات الخارجية، التي انعكست على الصراعات السياسية داخل البلاد، رغم المحاولات التي لا تتوقف من قبل البعض لتجاوز تلك الإشكاليات.
ذكرى أليمة
"ذكرى أليمة"، بتلك العبارة استهل السفير شريف شاهين سفير مصر الأسبق في العراق حديثه لـ"العين الإخبارية"، إذ قال إنه مع الغزو العراقي سقطت الهوية العراقية وأصبحت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات الصعبة.
وأضاف أنه كان يفترض بعد الاحتلال أن يقام نظام ديمقراطي يشكل نموذجا لدولة عصرية في العالم العربي، لكن المحتل أتى بدستور فوقي كرس الطائفية السياسية، بل وكذلك تقسيم البلاد جغرافيا بين إقليم كردي في الشمال ووسط سني وجنوب شيعي، وأصبحنا أمام مشروع محتمل لإمكانية انفصال كل طرف، حسب تصريحه.
وانتقد السفير شاهين كذلك تشكيل الأمريكيين لجنة تصفية البعث، مبررا موقفه بأن الحزب كان جامعا لكل فئات الشعب العراقي كلها تقريبا، بصرف النظر عن أخطائه ومساوئه، لكن عندما تم حله تفككت كل كيانات المجتمع العراقي.
وأشار شاهين إلى أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ آخر بحل الجيش وأجهزة الأمن، ما أدى إلى حدوث فوضى وتكوين مليشيات وانتشار السلاح والإرهاب، وأصبحت الحدود مفتوحة نتيجة انهيار الجيش وحله دون إيجاد البديل.
واعتبر أن الولايات المتحدة سواء عن عمد أو خطأ سمحت لقوى إقليمية بالتغلغل في الشأن العراقي، وأتت بعضها بالعناصر التي كانت في المنفى لتدير البلاد، وقال "إن الأخيرة حريصة على مصالح تلك القوى أكثر من مصلحة الشعب العراقي".
وسقط صدام حسين بعد 26 يوما من الغزو الذي أوصله لاحقا إلى حبل المشنقة، لكن ليت الأمر يتوقف عليه فقط، إذ أعقب سقوطه قتل ما يقدر بنحو 300 ألف عراقي بين عامي 2003 و2019، وفقا لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون.
تفكيك الدولة؟
بدوره، قال الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، لـ"العين الإخبارية"، إن "تداعيات الغزو مهدت لتفكيك الدولة والقوات المسلحة والمصانع وإهمال الزراعة واقتصاد الخدمات المتعلق بالمستشفيات والمدارس والبنية التحتية للطرق والجسور".
وقال إن أخطر ما ارتكبته الإدارة الأمريكية بعد الغزو تبنيها دعم الأحزاب الدعوية الإسلاموية، التي يرى أنها لن تذهب لبناء دولة في الواقع منذ 2003 ومنذ دستور 2005 وتشكيل أول برلمان وأول حكومة في 2006، بسبب ارتفاع معدلات الفساد المالي الذي تجاوز تريليون دولار، وفقا له.
وأضاف أن "العراق اليوم بسبب السياسات الفاشلة يستورد 92% من احتياجاته الغذائية، إلى جانب إهمال المستشفيات والمدارس، حتى أن بعض الطلاب يتلقون تعليمهم في مدارس من طين، كما ارتفعت مستويات البطالة، وزادت معدلات الفقر لتطال 11 مليون عراقي".
كذلك لفت الدكتور غازي فيصل إلى انتشار المخدرات لتطال أكثر من نصف سكان العراق، معتمدا في ذلك على تصريحات لوزير الداخلية في حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، إلى جانب التقارير الدولية التي لاحظت مشكلة الأمن وعدم الاستقرار، وكل هذه عناصر حولت العراق إلى "دولة فاشلة ونظام هش"، على حد تعبيره.
وأشار إلى أنه لا يمكن نسيان سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من العراق عام 2014، مستغلا حالة الفوضى الأمنية والسياسية، مرتكبا جرائم وأعمال تخريب وقتل وفظائع لا تُعد، لا يزال العراقيون المثقلون بتبعات الغزو غير قادرين على تجاوزها إلى الآن.
aXA6IDE4LjIyMi4xNjMuMjMxIA== جزيرة ام اند امز