التلوث والجفاف.. أنهار العراق بين نارين تنتظر من يطفئها
رغم تعهد الحكومة العراقية المتكرر بمعالجة التلوث البيئي، إلا أن تلك المحاولات لم تكن كافية لمواجهة التلوث والجفاف الذي تعاني منها الأنهار.
ووصلت نسبة تلوث نهر دجلة، على سبيل المثال، إلى أكثر من 90%، بحسب وزارة البيئة.
ويواجه العراق تحديات بيئية كبيرة، على رأسها الجفاف والتلوث، بالإضافة إلى تراجع التدفقات المائية الواصلة من دول الجوار، وتدهور الأراضي الزراعية، وتوسع مساحات التصحر، فضلاً عن العواصف الترابية وارتفاع منسوب التلوث الهوائي، جرّاء الانبعاثات الغازية، ومصافي النفط.
وتحذر وزارتا الزراعة والبيئة في العراق، من أن البلاد تفقد سنوياً 100 ألف دونم جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% وفق تصريحات رسمية.
- قضايا الاستدامة.. هل تُصنع الريادة من المسارح ودور الأوبرا؟
- خطة منديز جاهزة لتغيير العالم.. تجربة لاتينية في الطاقة النظيفة
وتقول وزارة الزراعة العراقية إن البلاد خسرت نحو مليوني دونم من الغطاء النباتي خلال الأعوام العشرة الماضية. والدونم هو وحدة قياس لمساحة الأرض، ويعادل 2337.8 متر مربع.
وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، قد أكد في مارس/آذار الماضي، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، كما تراجعت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير من 11 مليوناً و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة.
أزمة الجفاف
كشف البرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بغداد، أن العراق يتلقى مياهاً أقل من قبل -من حوالي 30 مليار متر مكعب في عام 1933 إلى حوالي 9.5 مليار حالياً.
ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030 -وهو مقدار بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنوياً، ما يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية.
وحسب التقارير الأممية، ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات -كحد أدنى- في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته.
وتقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب.
وزارة الموارد المائية العراقية من جانبها وخلافاً للتقارير الدولية تقول إن المخزون الاستراتيجي ارتفع بنسبة 35% من بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه.
ولكن ما زال العراق يعاني من الجفاف، وخطر التصحر، وانخفاض منسوب الأنهر والروافد وفق الشمال، الذي استبعد أن يصل العراق إلى مرحلة جفاف النهرين بشكل كامل.
وتقول حكومة السوداني إنها واعية جداً لمشكلة الجفاف؛ حيث اتخذت وزارة البيئة منذ سنوات خطوات جريئة جداً، بالتعاون مع دول العالم والإقليم، لمواجهة التأثيرات الحتمية للتغيرات المناخية.
ويحصل نحو نصف سكان العراق فقط، على "خدمات مياه صالحة للشرب"، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 43 مليون نسمة.
عشرات العوائل العراقية قد أجبرت خلال الأشهر الماضية على هجرة مناطقها بسبب الجفاف، الذي اشتد منذ مطلع يوليو/تموز الماضي، ويحمّل هؤلاء الحكومة العراقية المسؤولية لعدم تحركها لحل الأزمة.
أزمة التلوث
تترافق أزمة الجفاف في العراق مع أزمة أخرى لا تقل ضراوة؛ حيث تعاني البلاد تلوثاً "كارثياً" في مياه أنهاره، لأسباب أبرزها تسرب مياه الصرف الصحي والنفايات الطبية.
وفي البلد الغني بالنفط الذي يستهلك إنتاجه الكثير من المياه ، يرتفع خطر التلوث مع التزايد المطرد لشحّ المياه، نتيجة الجفاف والتغيّر المناخي، وخلافات سياسية تتعلق بتوزيع حصص المياه بين بلاد الرافدين ودول الجوار.
ويزداد تركّز التلوث في الأنهار توازياً مع انخفاض مناسيب المياه.
وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، إنه بالإضافة إلى القطاع الخاص ، فإن "الغريب في موضوع التلوث في العراق، أن من يقوم به، هي غالبية المؤسسات الحكومية".
وأضاف، أن من بينها "دوائر المجاري (التي) تقوم بإلقاء كميات كبيرة (من مياه المجاري) في نهري دجلة والفرات من دون أن تمر بمعالجة تامة أو بعد معالجة بسيطة".
ولفت المتحدث إلى أن "أغلب المستشفيات القريبة من النهر تقوم بإلقاء فضلاتها وتصريف مياه الصرف الصحي مباشرة" فيه، وهذا أمر "خطير وكارثي".
وتتسبب المنشآت الصناعية كذلك بتلوث المياه، من بينها مصانع مواد بتروكيماوية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى الأنشطة الزراعية من خلال ماء البزل التي "قد تحتوي على سموم مرتبطة بالسماد"، وفقاً للمتحدث.
ويشرح شمال أنه لمواجهة هذا التلوث، أصدرت "الحكومة توجيهات بعدم إقرار أي مشروع في حال عدم ارتباطه بمحطة معالجة للمياه".
وترتفع معدلات التلوث أكثر؛ حيث يلجأ غالبية العراقيين إلى شراء المياه في القوارير للشرب وإعداد الطعام، لأن المياه التي تصل بيوتهم غير صالحة.
ويقول حسن زوري البالغ من العمر 65 عاماً من محافظة ذي قار الجنوبية، إن مياه "المجاري من مناطق (أخرى) تصب في النهر، وتصلنا المياه ملوثة".
ويضيف: "سابقاً، كنا نشرب ونغسل ونزرع من النهر، الآن نشتري المياه".
ويزيد الأمر سوءاً تفاقم الجفاف مع انخفاض معدلات الأمطار ومناسيب مياه نهري دجلة والفرات، جراء السدود التي بنيت في دولتي الجوار تركيا وإيران، رغم اعتراضات بغداد.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة البيئة، أمير علي حسون ، أن "نسب المياه التي ترد إلى الأراضي العراقية انخفضت إلى حد كبير وهذا ما يزيد من تركّز التلوث في المياه".
جهود بحاجة للمزيد
يقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال إن الحكومة العراقية الحالية، تعطي ملف المياه أهمية كبرى، لافتاً إلى أن كمية الإطلاقات (المياه التي تنطلق من سدود دول المنبع) الآن لنهري دجلة والفرات لا تمثل سوى 30% من الاستحقاق الطبيعي للعراق.
وأوضح شمال أن تصاريف نهر دجلة تبلغ 313 مترا مكعبا بالثانية أما نهر الفرات فتبلغ تصاريفه 175 مترا مكعبا بالثانية.
ويُعد ملف الموارد المائية في العراق معقدا وشائكا وفيه بعد دولي ومحلي وإقليمي وفني.
وكشف وزارة البيئة العراقية في وقت سابق عن خطة العراق لمواجهة الجفاف من شقين الأول والذي يبدأ من 2020 – 2025، وركزت على خفض الانبعاثات الكربونية، خصوصا في قطاع النفط والغاز، مع التركيز على ضرورة رفع الوعي الوطني، تجاه التغيرات المناخية.
أما الشق الثاني ويبدأ، من 2025 إلى 2030 سيركز بشكل أساسي على قطاعين مهمين، وهو نقل التكنولوجيا الحديثة، في مجال السقي والإرواء، والإدارة الرشيدة للموارد المائية، حيث نعاني مشاكل جدية في هذا الجانب، بسبب تقادم أو عدم دخول الأساليب الحديثة في الإرواء، وهو ما يسبب هدرا للمياه.
كما تشهد البلاد مبادة وطنية محلية تهدف لتعزيز الطاقة وترشيد الاستهلاك، منها مبادرة التشجير، التي أطلقتها الحكومة العراقية بمشاركة عدة لجان، متخصصة، لاختيار الأماكن، وأخرى لتحديد نوعية المواد والأشجار، التي تصلح لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية، وتناسب البيئة العراقية.
وفي مشكلة التلوث عبرت الحكومة العراقية عن التزامها بتحسين جودة المياه.
ووضع وزارة الإعمار والإسكان خطة لثلاث سنوات تهدف إلى "تعزيز منظومة المياه والصرف الصحي بما في ذلك مراقبة جودة المياه"، لتوفير "مياه الشرب الآمنة وإمكانات تنقية المياه، خصوصا للمجتمعات الأكثر ضعفاً".
كما ساهمت يونيسف بالشراكة مع السلطات العراقية، في إنشاء محطة معالجة لمياه الصرف الصحي في مدينة الطب، وهو مجمع طبي حكومي في بغداد يضم حوالي 3000 سرير.
وافتتحت في المرحلة الأولى 3 محطات سعة كل واحدة 200 متر مكعب في اليوم لمعالجة مياه الصرف الصحي، وفق رئيس دائرة المشاريع في المجمع، عقيل سلطان سلمان.
ويضيف سلمان أنه سيتم بناء 4 محطات أخرى سعتها 400 متر مكعب في غضون شهرين، موضحاً أنه بعد معالجة المياه "يتم الاستفادة منها لسقي الحدائق وتعزيز خزانات منظومة إطفاء الحرائق".
لكن المختص بمجال نظافة المياه في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، علي أيوب، يؤكد بدوره أن "البنى التحتية غير الكافية والقوانين المحدودة وقلة الوعي العام، هي من العوامل الرئيسية المؤدية إلى التدهور الكبير في جودة المياه في العراق".
واعتبر أن محطتين لتنقية المياه في بغداد تتلقيان "ضعف قدرتهما" على المعالجة.
aXA6IDMuMTUuMTQ5LjI0IA==
جزيرة ام اند امز