قضايا الاستدامة.. هل تُصنع الريادة من المسارح ودور الأوبرا؟
أوبرا سيدني ومتحف اسكتلندا الأكثر استدامة
المنظمات الثقافية، بما تتمتع به من نفوذ واسع النطاق وقدرتها على تشكيل السرد والخيال، تستعد لتكون رائدة في مناصرة قضايا الاستدامة.
وإدراكا لهذا الدور المحوري أجرى باحثون من قسم الجغرافيا والاستدامة بجامعة لوزان (UNIL) مسحاً دولياً شاملاً لتقييم التقدم المحرز في مجالات الاستدامة الاجتماعية والبيئية، تتعلق بالمتاحف والمسارح والأوبرا.
وفي هذا الاستطلاع العالمي الذي أُجري مع 206 منظمات ثقافية كبرى حول العالم شملت المتاحف والمسارح ودور الأوبرا الرائدة في كل قارة، أجاب المشاركون على أسئلة حول معايير متنوعة، تتراوح من شمولية ورفاهية الموظفين (الجوانب الاجتماعية) إلى إدارة النفايات، واستهلاك الطاقة، وممارسات تقديم الطعام، وتأثير الكربون (الاعتبارات البيئية).
وكشفت نتائج الاستطلاع المنشورة في مجلة الاستدامة أنه في العلوم والممارسة والسياسة هناك حاجة جماعية للتحسين، وقام 60% من المشاركين بدمج الاستدامة في استراتيجياتهم فقط في السنوات الخمس الماضية أو أقل.
- خطة منديز جاهزة لتغيير العالم.. تجربة لاتينية في الطاقة النظيفة
- تغير المناخ يهدد بآثار كارثية على التنوع البيولوجي
تم اختيار المنظمات المشمولة في الاستطلاع وفقا لمعايير مثل أهميتها للقطاع (استناداً إلى مجموعة من الأدبيات)، وجاذبيتها (عدد الزوار)، والتكاليف المستثمرة في تطويرها.
وكانت الفكرة هي اختيار المنظمات الكبيرة عمداً لتكون اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال.
أبطال الاستدامة
وفي خضم التحديات كشفت الدراسة الميدانية عن 14 من أبطال الاستدامة، أظهروا ارتباطا بين الاستدامة الاجتماعية والبيئية، مما يؤكد أن المتفوقين في مجال واحد يميلون أيضاً إلى التألق في المجال الآخر.
وضمن أفضل 14 منظمة ثقافية ناطقة باللغة الإنجليزية مثل المعارض الوطنية في اسكتلندا ودار أوبرا سيدني.
وضمنت الدراسة عدم الكشف عن هوية المؤسسات المشاركة، لذلك تم ذكر أصحاب الأداء العالي فقط الذين أعطوا موافقتهم الصريحة.
وما يميز المنظمات رفيعة المستوى هو دمجها للاستدامة في الاستراتيجية الشاملة وإنشاء مجموعات داخلية مخصصة، ما يسمى بالفرق الخضراء، التي تقود الإجراءات المنسقة.
وتؤثر السياقات الوطنية والقرارات السياسية بشكل أكبر على هذه المساعي.
في إنجلترا، على سبيل المثال، يجب على المنظمات الممولة من المدير العام تقديم التقارير عن الاستدامة، التي تتحمل مسؤولية إضافية من المساءلة، وفقا للمؤلف المشارك في الدراسة المسحية جولي جريشابر.
يشار إلى أنه بعد استكمال الاستبيانات من قبل 206 منظمات من جميع القارات تم تحليل البيانات وفق نموذج يضم ثلاثة مجالات: الحوكمة (الالتزام، الاستراتيجية، التنفيذ، الشفافية)؛ الاجتماعية (النزاهة، الشراكات، التكامل الحضري، المجتمع، الوصول، التنوع والشمول، رفاهية الموظفين، التعلم والإلهام)؛ والبيئة (المناخ، التنوع البيولوجي، المياه، النفايات، الطاقة، التنقل والنقل، الأغذية والمشروبات، سلسلة التوريد).
دور عالمي لمستقبل أكثر استدامة
علقت آن ليدن، المدير العام للمعارض الوطنية في اسكتلندا، المتحف الأكثر استدامة في الدراسة على النتائج بالقول: "نحن فخورون للغاية".
اعتبرت ليدن أن نشاط المتحف الوطني في اسكتلندا يدعم هدف البلاد للوصول إلى صافي الصفر قبل عام 2045، وخفض بصمة اسكتلندا الكربونية بنسبة 60% بين عامي 2008 و2022.
وقالت: "نحن ندرك مدى أهمية أن نلعب دورنا في صنع مستقبل أكثر استدامة، ليس فقط لاسكتلندا ولكن للعالم أجمع".
بدورها أكدت لويز هيرون، الرئيس التنفيذي لدار الأوبرا في سيدني (المنظمة الأولى في الدراسة) أن الاستدامة كانت جزءاً من "الحمض النووي" لدار الأوبرا منذ البداية.
وقالت هيرون: "على مدى السنوات الأخيرة ركزنا على توحيد جهودنا من أجل دفع التغيير الاجتماعي والبيئي، ودمج الاستدامة في استراتيجيتنا التنظيمية، وجعلها جزءا من الحياة اليومية للجميع".
واعتبرت أن "هذه هي التحديات الملحة التي نواجهها، والتي لا يمكن معالجتها إلا من خلال العمل المنسق، وكمنظمات ثقافية لدينا فرصة هائلة لإلهام الآخرين وإحداث التغيير معاً".
وبالنظر إلى المستقبل، يهدف باحثو (UNIL) إلى توسيع نطاق تأثيرهم.
وتشمل الخطط تشكيل تحالف عالمي من المنظمات الثقافية الملتزمة بالاستدامة وإدخال علامة لتنظيم هذه الجهود بشكل فعّال.
ومن المتوقع أن يكون البروفيسور مارتن مولر، الذي حصل على تمويل كبير لبرنامج تعزيز الابتكار العملي القائم على البحث العلمي، في طليعة هذه الرحلة التحويلية.
ولا يعد المستقبل بالتحليل الأكاديمي فحسب، بل يعد بمسار ملموس نحو مشهد ثقافي مستدام، حسب الدراسة.
أثر المنظمات الثقافية على الاستدامة
اكتسبت الثقافة أهمية خاصة في الآونة الأخيرة، حيث تتطلب الاضطرابات والابتكارات والأعراف الاجتماعية المتغيرة بعض الاهتمام بثقافة المنظمة.
وتقول البروفيسور شيرلي آن بهرافيش، الأستاذة بكلية ثندربيرد (Thunderbird School) للإدارة العالمية بجامعة ولاية أريزونا، إن تحويل قيم الاستدامة الخاصة بالشركة إلى ممارسات قابلة للاستخدام ليس دائما أمرا سهلا، ويمكن أن يكون لثقافة الشركة تأثير كبير على قدرتها على النجاح في تحقيق أهداف الاستدامة.
وتحدد "بهرافيش" سبعة مواضيع رئيسية لممارسة الاستدامة حسب تقارير استدامة الشركات من قبل 200 منظمة على مدى فترة خمس سنوات، وتشمل ممارسات سهلة التنفيذ وأقل تأثيرا، بالنسبة لأولئك الذين لديهم استثمارات كبيرة وتأثير أكبر.
- منع التلوث/تقليل النفايات إلى الحد الأدنى: الممارسات التي تقلل من استخدام الموارد وتؤدي في النهاية إلى تقليل التكاليف والمخاطر التي تتعرض لها الشركة.
- تحليل الأثر البيئي/التقارير البيئية: الممارسات المتعلقة بالتقارير العامة عن أنشطة الاستدامة.
- جذب الموظفين وتطويرهم والاحتفاظ بهم: الممارسات المتعلقة بجذب الموظفين والاحتفاظ بهم.
- إشراك أصحاب المصلحة: الممارسات المتعلقة بالتعامل مع مجموعات أصحاب المصلحة الأوسع ومعالجة التحديات المجتمعية.
- تخضير سلسلة التوريد: الممارسات المتعلقة بتقييم وتخفيف الآثار السلبية لسلسلة التوريد.
- الابتكار والتكنولوجيا النظيفة: الممارسات المتعلقة باستخدام التقنيات التي تقلل بشكل كبير من التأثيرات السلبية على الاستدامة و/أو تزيد من التأثيرات الإيجابية.
- التنمية المستدامة: ممارسات تتجاوز مجرد زيادة الأرباح والبحث عن فرص خارج نطاق أعمالهم لتطوير حلول تحويلية.
aXA6IDE4LjExNy4xNDEuNjkg
جزيرة ام اند امز