تماشيا مع المثل العربي القائل إذا ما حلقوا لجارك رطب لحيتك، يبدو أن النظام في طهران نسي أن الأنهار البشرية المتدفقة في العراق لن تبلل لحى ملالي إيران فقط، بل ستغرقهم في طوفانها أيضا وفيما بعد غليانها وحتى هدوئها.
نادى العراق النازف أبناءه، فلبت الحشود النداء، زاحفة منتفضة ضد الظلم والفقر والطغيان، صادحة بوجه الداء الإيراني المستشري في أوصال بلد كان.
تدفقت الحشود نحو الساحات، وفي سمائها دوت حناجر بالهتافات، شاءت إيران أم أبت، فلا مكان لها بين الهامات.
أجيال مختلفة التوجهات والانتماءات، لفظت إيران والأحزاب السياسية والنعرة الطائفية، عضت على جرحها، فحملت العراق في قبضة يدها، تُخبر العالم كيف تُحرَس الأوطان.
منتصبو القامة ينتفضون، مرفوعو الهامة يمشون، يحملون أرواحهم على أكفهم، يكتبون بدمائهم وحروفهم الكفاحية تاريخا جديدا للعراق، ولسان حالهم يقول إن الجبناء لا يصنعون وطنا ولا يحدثون تغييرا، وأن من يكتب التاريخ وينفض غبار إيران هو من عشق تراب الوطن.
بعد أسابيع من الغضب والقمع وأرواح الشهداء المقدمة فداء للوطن، أعلن عادل عبدالمهدي استقالته وحكومته في مسكّن فشل في امتصاص نيران الغضب المستعرة بصدور نفذ صبرها.
فشل عبدالمهدي صاحب صحيفة "العدالة" في إرساء المفهوم على الأرض تماما كما فشل في تقديم رواية متماسكة تبرر دماء المحتجين السلميين.. أنكر استخدام الرصاص الحي وغابت التوضيحات بشأن القناصة المتخفية على الأسطح تقطف رؤوس المنتفضين.
الحلقة نفسها المفرغة وذات الطرف الثالث القابع بالمنطقة الفاصلة بين السلطة العراقية والشعب.. إيران المتربصة بأمن العراق والفيروس القاتل المندس بثنايا وطن يبحث عن ترياق خلاصه.
لحظات رعب مريرة اختبرها المتظاهرون في الساحات والميادين حين تحولت أجسادهم الملتحفة براية العراق إلى متاريس تصد الرصاص المنهمر عليها فتحولها إلى جثث هامدة.
من الأرض إلى القلوب، تصدح الأفواه بالنشيد الوطني، تأكيدا للسيادة ونبذا للوصاية والتدخلات الأجنبية أملا بموطن سالما منعما وغانما مكرما.
تماشيا مع المثل العربي القائل إذا ما حلقوا لجارك رطب لحيتك، يبدو أن النظام في طهران نسي أن الأنهار البشرية المتدفقة في العراق لن تبلل لحى ملالي إيران فقط وعلى رأسهم خامنئي، بل ستغرقهم في طوفانها أيضا وفيما بعد غليانها وحتى هدوئها.
رجال لا يهابون الموت في حضرة الدفاع عن عروبة العراق.. وبلسان عربي فصيح يوجهون سهامهم لرأس حربة طهران في المنطقة والعراق، قاسم سليماني. فهم لا يريدون غير وطن بلا ورم.. بلا إيران.
دعوات تتكرر.. وشعارات تتقاطع طلبا للقضاء على الورم المتمدد بالجسد العراقي.. والغضب أكبر من أن تحتويه المسكنات السياسية.. أما الأرواح فتهون في سبيل حياة كريمة يسودها العدل والشرعية، فمن استشهد عبّد طريق فك الحصار عن العراق، ومن ينتظر نال شرف كسر شوكة إيران.