الصدر والحكيم.. هل يقودان حربا على تغول إيران بالعراق؟
الصدر يواصل نهجه في رفض التمدد الإيراني بالعراق في حين يرسل الحكيم مؤشرات عن انضمامه لهذا النهج بعد عقود من الولاء لإيران
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في العراق، المقررة 2018، تتخذ الساحة العراقية أوضاعا جديدة بانشقاقات وتحالفات بعضها يوالي إيران بشدة، والآخر يسعى للحد من نفوذها.
ويعد استعداد مليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران للمشاركة في الانتخابات عبر عناصرها المتقاعدة والتيارات الحليفة معها، أبرز مشاهد النفوذ الإيراني في العراق.
في المقابل تتحرك بقوة تيارات قديمة ووليدة للحد من هذا النفوذ، والملفت للنظر أنها تيارات "شيعية"، ولكنها تسعى لأن تكون المرجعية الشيعية والسياسية في العراق عربية.
ومن أبرز هذه التحركات ما يحمله على عاتقه التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وكذلك "ما يشاع" عن تحرك آخر في هذا الاتجاه لتيار "الحكمة الوطني" الذي شكله مؤخرا عمار الحكيم.
ففيما يخص مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، فإن مواقفه للحد من التغول الإيراني في بلاده قديم، ولكن عززه هذا الأسبوع بزيارته للسعودية، وهي الأولى منذ 11 عاما.
وعقب الزيارة قال صلاح العبيدي المتحدث باسمه لقناة "العربية" إن "إيران تعمل على تحقيق مصالحها في العراق فقط على حساب مصالح شعبنا"، مؤكدًا أن "الصدر لن يسمح لإيران بتنفيذ مصالحها الخاصة على حساب مصالح العراق".
وفي بيان أصدره مكتب الصدر، الثلاثاء، بشأن زيارة الأخيرة إلى السعودية، قال إنها أسفرت الاتفاق على تعزيز العلاقات العراقية السعودية وزيادة الاستثمارات السعودية وكذلك المساعدات الإنسانية منها تقديم 10 ملايين دولار إضافية لمساعدة النازحين، وبحث افتتاح قنصلية عامة في النجف وسرعة إنشا خط جوي بين البلدين، إضافة إلى سرعة افتتاح المنافذ الحدودية لتعزيز التبادل التجاري وافتتاح معبر الجميمة مع النجف.
كذلك تضمن البيان أن الزيارة بحثت تعزيز التعاون في مجال الشباب، وأشار أيضا إلى أن من نتائج الزيارة تبني خطاب ديني وإعلامي معتدل يدعو للتعايش السلمي والتعاون والمصالح المشتركة بين البلدين والشعبين.
وجاءت زيارة الصدر بعد سلسلة من الخطوات من جانب السعودية تؤشر لتحسين العلاقات بين البلدين، منها إعلان العراق والسعودية الشهر الماضي تشكيل مجلس تنسيقي لتعزيز الروابط الاستراتيجية، وإعادة السعودية فتح سفارتها في بغداد 2015 بعد قطيعة 25 عاما، وقام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة بغداد.
كما قام كل من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووزير الداخلية قاسم الأعرجي بزيارة السعودية في الأسابيع الأخيرة.
وللتيار الصدري 34 مقعداً في مجلس النواب العراقي، ويقال إن الجناح العسكري لهذا التيار والمسمى بـ"سرايا السلام" مؤلف من 60 ألف مقاتل.
الصدر .. مواقف مناهضة لإيران
ولمقتدى الصدر مواقفه المعروفة المناهضة للتواجد الإيراني في العراق، وهذا الموقف هو امتداد لموقف والده محمد الصدر الذي كان ضد التبعية الدينية لإيران، وكان يسعى جاهدا لأن تكون المرجعية الشيعية في العراق عربية، ومقرها النجف، وليس قم في إيران.
وفي 2016، ومع كثرة التدخلات الإيرانية السياسية والمسلحة في الشأن العراقي، نظم تيار الصدر مظاهرات أمام البرلمان في بغداد، ضد تدخلات قائد فيلق القدس في مليشيا الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في العراق.
وجاء ذلك عقب الظهور العلني لسليماني في العراق بذريعة أنه يدرب مليشيا الحشد الشعبي لمواجهة تنظيم داعش، وهتف المتظاهرون حينها: "إيران برا برا"، و"بغداد تبقى حرة"، و"يا قاسم سليماني، هذا الصدر رباني"، وإن كان الصدر تبرأ من هذه الهتافات لاحقا.
وفي ذات العام حذر الصدر من تحويل الحكومة القادمة إلى حكومة مليشيات في حال مشاركة فصائل مليشيا الحشد الشعبي في انتخابات مجال المحافظات والبرلمان المقررة 2018.
كذلك دعا الصدر في مايو/أيار 2017 إيران إلى التخلي عن المهاترات السياسية والطائفية والانفتاح على دول المنطقة.
من جانبها هاجمت وسائل الإعلام الإيرانية زيارة الصدر إلى السعودية، واتهمت وكالة "تسنيم" في مقالة نشرتها 1 أغسطس/آب الجاري، السعودية بأنها تسعى من خلال استقبال تيارات شيعية عراقية إلى الحد من نفوذ إيران في المنطقة، خاصة مع اقتراب الانتخابات العراقية.
تحولات عمار الحكيم
أما عمار الحكيم زعيم المجلس الإسلامي الأعلى (الذي نشأ في حضن إيران في حرب الثمانينيات لدعم الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي) فقد جاء تحوله إلى السعودية ودول المنطقة عموما مفاجئا، عكس مقتدى الصدر المعروفة توجهاته منذ سنوات طوال.
فعمار الحكيم دائما ما كان يصدح بالإشادة بإيران وبدورها في العراق، وزيارته لها متكررة، ويشيد دائما كذلك بمليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران.
ولكن بدأ الحكيم منذ شهور قليلة في أخذ لهجة تدعو إلى التقارب والتصالح بين إيران ودول المنطقة.
وحذر في يونيو/حزيران الماضي من أن إشعال الجبهات لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار في المنطقة وحرق المليارات على شراء الأسلحة.
واعتبر أنه لا حل لوقف ذلك إلا بحوار مباشر بين إيران والسعودية لوضع حد للمخاوف والاتهامات المتبادلة، والوصول إلى الحد الأدنى من التفاهمات.
وجاء ذلك خلال كلمته في الحفل التأبيني بمناسبة الذكرى الثامنة لرحيل والده عبد العزيز الحكيم وبحضور السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي.
وشهد عام 2017 "انفتاحا" من الحكيم إزاء دول المنطقة، وقام بزيارة في إبريل/نيسان إلى مصر ودول أخرى.
وتحدث من القاهرة عن أهمية تحقيق الدولة الوطنية في العراق، معتبراً أن دولة الطوائف لا يمكن أن تحقق اصطفافاً وطنياً.
وفي 24 يوليو/تموز الماضي أعلن الحكيم انشقاقه المفاجئ عن المجلس الأعلى الإسلامي وتشكيله تيار "الحكمة الوطني".
وأرجع مراقبون سبب هذا الانشقاق إلى الخلاف بين القادة المخضرمين للمجلس، ومعظمهم تلقوا تدريبا وتعليمات في إيران، وبين الشباب الذين لا تربطهم بإيران نفس الوشائج.
وخلال حديثه عن تيار "الحكمة الوطني"، ركز كثيرا على البُعد "الوطني" في إنشائه، وحماية حدود العراق، مخاطبا العراقيين بأن هذا التيار هدفه أن "تنطلقوا بمشروعكم الوطني الجامع، وأن تكون ساحتكم الكبرى العراق وحدودكم في الانتماء والكسب لتياركم الوليد هي الوطنية الصافية والعشق العراقي الأصيل".
وأضاف: "عراق 2017 يختلف كثيرا عن 2003، وعلى القوى السياسية أن تعي هذا الاختلاف مثلما وعيناه نحن في تيار الحكمة الوطني"
ولم يوضح الحكيم هذا الاختلاف، ولكن ربما يشير إلى ما كان عليه العراق بعد 2003 (عام الاحتلال الأمريكي وسقوط حكم صدام حسين) من انتشار واسع للميلشيات وانقسامات وصراعات حزبية ودولية.
غير أن الحكيم لم يفته توجيه الشكر لإيران، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات عن توجهات "تيار الحكمة الوطني" خلال الفترة المقبلة.
aXA6IDMuMTQ1LjEwMy4xNjkg جزيرة ام اند امز