المعروف عن العراقيين شدة صبرهم ولكن ما وصلوا إليه من تهميش على يد مليشيات إيران بلغ حدا لا يُطاق ما دفعهم لرفع صوتهم عاليا.
ما تشهده الساحات العراقية مؤخراً هو ليس حركة انتفاضة ضد حكومة عادل عبدالمهدي مطلقاً وإن كانت بعض الشعارات تمسها ولكنها ذات بعد أكبر باتجاه من يحكم العراق فعلياً على الأرض وهي إيران عبر مليشياتها، وهذا ما لا يخفيه الإيرانيون إذ صرح مسؤولوهم قبل أسابيع حين استعرضوا نقاط قوتهم بوجه الولايات المتحدة بالقول إن إيران موجودة في كل مناطق النفوذ الأمريكي قاصدين بذلك الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان والحوثي في اليمن والمليشيات الطائفية في سوريا.
الشارع العراقي هو من يجيب عن هذا حين يصرخ بعالي صوته "يا إيران اخرجي من العراق واتركي أرض الرافدين لأهلها" وهذا ما ينبئ أن الحمل بات كبيرا وضاق العراقي ذرعا بتصرفات الإيرانيين وتابعيهم وكأن لسان حالهم يقول: "لنا عراقنا ولكم إيران اذهبوا إليها غير مأسوف عليكم".
لم يكن مفاجئاً تصرف المتظاهرين العراقيين لناحية طمأنة حكومتهم بأن حراكهم سلمي غير مرتبط بأجندات خارجية كما تدعي بعض الجهات المدعومة من إيران صاحبة التهم الجاهزة بتخوين الآخرين ورميهم في مصاف "المتآمرين" على العراق والواقفين مع الولايات المتحدة ضد بلدهم، وهذا بالطبع مجافٍ لحقيقة المتظاهرين وسلمية تظاهراتهم وهدفها.
المعروف عن العراقيين شدة صبرهم وعدم القدرة على استفزازهم بالشيء السهل، ولكن ما وصلوا إليه من تهميش على يد مليشيات إيران بلغ حداً لا يُطاق، ما دفعهم لرفع صوتهم عالياً ضدها وهذا ليس شيئاً سهلاً في بلاد يتنفذ الإيراني فيها بقوة السلاح والمال معاً، وما حراكهم إلا نموذج بسيط عن حالة القهر والحرمان التي يعانونها كل يوم بسبب تسلط رجالات طهران في العراق على الصعيدين الأمني والاقتصادي في آن واحد.
في الحقيقة يستطيع المراقب لهذه الاحتجاجات تحديد وجهتها حين يطالب أغلب من خرجوا فيها بعودة جيشهم وشرطتهم لمسك زمام الأمور الأمنية في بلادهم عموماً وفي العاصمة بغداد على وجه الخصوص، وهي النقطة الرئيسية التي باتت تخيف الأحزاب التي تدور في فلك إيران. لذلك شكلت غرفة عمليات لعزل هؤلاء المتظاهرين وشق صفوفهم بتلبية احتياجات البعض وتخوين الآخرين لتبقى متسلطة على قوت العراقيين الذي تستثمره إيران في سد احتياجاتها عقب الضغوط الاقتصادية عليها.
قد يقول البعض إنه من المبكر الحكم على فترة حكم عادل عبدالمهدي ولكنه لم يستطع انتهاج سياسة سلفه حيدر العبادي بلعبه دور الوسط بين إيران من جهة والعالم الآخر من جهة أخرى، وهذا بالفعل ما افتقده عبدالمهدي، ليس لأن الرجل يريد ذلك ولكن بسب تسلط الأحزاب الدينية التي وافقت على عبدالمهدي رئيساً للوزراء.
الشارع العراقي هو من يجيب عن هذا حين يصرخ بعالي صوته "يا إيران اخرجي من العراق واتركي أرض الرافدين لأهلها"، وهذا ما ينبأ أن الحمل بات كبيراً وضاق العراقي ذرعاً بتصرفات الإيرانيين وتابعيهم وكأن لسان حالهم يقول: "لنا عراقنا ولكم إيران اذهبوا إليها غير مأسوف عليكم".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة