الروائي العراقي حسن النواب: الرواية العربية تنقصها الجرأة
حسن النواب المقيم باستراليا يقول إن الغربة تشبه حنان زوجة الأب؛ لأنها منحته المستقبل، لكنها تشبه في الحقيقة زوجة الأب القاسية مع يتيم.
قال الروائي العراقي حسن النواب إن الرواية العربية تنقصها الجرأة، وهي لا تزال أسيرة همومها الذاتية على عكس ما ينتج في الخارج من روايات، موضحاً أن تجربته في المنفى ساعدته على الإفلات من قيود الداخل العربي.
وأكد النواب في حوار مع "العين الإخبارية" أن الغربة تشبه حنان زوجة الأب؛ فقد منحته الكرامة والعيش الرغيد والمستقبل الآمن، لكنها تشبه في حقيقتها تصرفات زوجة الأب القاسية مع طفل يتيم.
والروائي والشاعر العراقي حسن النواب من الأسماء المؤثرة في المشهد الأدبي العراقي في الداخل والخارج، عمل في الصحافة منذ عام 1991 في العديد من الإصدارات الصحفية العراقية، ونشرت قصائده في عدة صحف ومجلات ثقافية عربية، ونشر 3 مسرحيات في مجلة "الطليعة" الأدبية، وهو عضو المجلس المركزي لاتحاد الأدباء والكتاب المركز العام من عام 1999 إلى عام 2000.
هاجر من العراق إلى الأردن في فبراير/شباط عام 2001، ووصل إلى أستراليا مع عائلته كلاجئ في ديسمبر/كانون الأول من عام 2002، وهو عضو نقابة الصحفيين العراقيين، وعضو نقابة الصحفيين العرب، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، وعضو اتحاد الأدباء في أستراليا (مدينة بيرث)، ويكتب في جريدة "الزمان" الدولية منذ عام 2001، وفاز بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي.
حدثنا عن روايتك "ضحكة الكوكوبارا" التي فازت بجائزة الطيب صالح
ومضت فكرة الرواية في رأسي من خلال طائر مشهور في أستراليا؛ حيث مكان إقامتي منذ 18 عاماً؛ هذا الطائر يطلقُ تغريدة تشبه ضحكة ساخرة للإنسان؛ وكنت أعتقد أنها ضحكة لجاري الأسترالي بعد أن ينال منه الخمر؛ حتى نبهتني ابنتي لهذا الطائر حين وقف ذات نهار على مسند كرسي في حديقة الدار؛ وحين شرعت في كتابتها؛ انفتحت نافذة الرؤيا أمام ناظري، ممزوجة مع ذكريات مريرة شهدتها خلال الحروب التي اشتركت فيها كسائق دبابة؛ غير أني وظفت الذكريات هذه المرة بطريقة فنية مثيرة، عبر لغز يستمر حتى السطر الأخير من الرواية؛ حيث الصراع بين لاجئة عراقية وصلت إلى مدينة بيرث الأسترالية ولاجئ عراقي هو الآخر يشتركان في محنة الوطن الذي ابتلى بالحروب والاحتلال فيما بعد.
في روايتك الأولى "حياة باسلة" نجدها سيرة للأدباء المهمشين، ماذا قصدت من ذلك؟
هي حياة بائسة في واقع الأمر؛ لكنها باسلة بمواقف هؤلاء الأدباء المهمشين الذين قاوموا البؤس والاضطهاد والتشرد؛ بصبرهم العجيب؛ وأشعر بالفخر لأني كنت أحدهم؛ فما بين نيران الحروب التي طبخت جلودهم وبين تجاهل الثقافة السلطوية لنصوصهم، كانوا يواصلون كفاحهم بطريقة عنيدة أذهلت الجميع؛ أجل في رواية "حياة باسلة" كتبت عن عيوبنا وضياعنا وتشرذمنا؛ أكثر مما كتبت عن بطولات ومغامرات هؤلاء الأدباء الصعاليك؛ لقد كنت صريحاً حد البكاء في المواقف التي أرغمتنا على الإذلال، وكنت منصفاً للجميع بعيداً عن تعاطفي مع هذا الأديب أو ذاك؛ أضف إلى أتون النار الذي عشت جحيمه وويلاته على مدى أكثر من تسع سنوات كسائق دبابة؛ شهدت خلالها أقسى المعارك دموية ورعباً.
هل تنقل الرواية جانباً من تجربتك الشخصية؟
هي ليست كل تجربتي الشخصية؛ إنما هي حكاية الطالب الجامعي الذي اقتيد من مقعده الدراسي إلى خنادق النار تحت وابل القصف العنيف؛ وفي رأسه ما زالت تتردد ضحكات الطالبات وقصائد الغزل العذري ومرح الشباب؛ وقد وجد نفسه على حين غرَّة في مواجهة جحيم القنابل وهدير المدافع وتراب مسرَّفات الدبابات ودخان الجبهات؛ لكنه استعاد شكيمته وعزيمته خلال فترة وجيزة؛ وانهمك بكتابة القصائد على ضوء فانوس في الملاجئ الرطبة والمعتمة.
كيف ترى وتقيم المشهد الثقافي العراقي حالياً؟
فوضى عارمة عمت المشهد الثقافي؛ الجميع يسعى أن يكون في حديقة الأدباء ومن ضمن المبدعين؛ كأن الشعب العراقي أفاق من اضطهاده على شهية الكتابة؟ مئات الروائيين وآلاف الشعراء وعشرات الآلاف من الصحفيين والإعلاميين حتى جمهورية الصين الشعبية لا تمتلك هذه الأعداد الهائلة من الكُتَّاب، أضف إلى المقاهي والنوادي الأدبية التي انتشرت في العاصمة بغداد؛ لكنها فوضى خلاقة برغم هيمنة عصابات مريبة؛ أعطت الحق لنفسها؛ بكونها من سلالة الأدب؛ بمساندة تجمعات ثقافية غامضة لتشويه صورة حقيقة الإبداع العراقي؛ وجعل الفاشل في الواجهة والمبدع في الهامش؛ لكنها بدأت تنحسر؛ بعد أن فشلت في مساعيها الخبيثة والشرسة.
كل أديب وفنان يشيد وطناً بديلاً في الغربة، هل حققت ذلك؟
الغربة منحتني الكرامة والعيش الرغيد والمستقبل الآمن لأطفالي؛ لكنها تبقى تشبه في حقيقتها تصرفات زوجة الأب القاسية مع طفل يتيم، نعم الغربة تشبه حنان زوجة الأب؛ بيدَ أنَّ الوطن تلمس في حضنه حناناً صافياً برغم الحرمان الذي تعيشه؛ فليس هناك أكثر دفئاً من حنان البيت الذي ترعرعت فيه وأنت بعمر الطفولة والصبا؛ وطوال سنوات غربتي كنت أزرع نخلة في مسارب روحي وأرويها بعبراتي كلما ضاق صدري بالوحشة؛ لقد جعلت من قرطاسي زورقاً أبحر فيه كلما شدني الشوق إلى وطني؛ ونجحت من اغتيال الحنين بالكتابة التي متى ما نضبت سيتوقف نبض قلبي معها.
لماذا لم تنل الرواية العراقية نصيبها الوافي من العناية النقدية العربية؟
لأن النقاد العراقيين انشغلوا بالنص العربي أكثر من إخلاصهم للنص المحلي؛ فهم يسعون إلى شهرة عربية من خلال عروضهم النقدية؛ شأنهم شأن الروائي العربي؛ فإذا كان ابن بيتك لا يعيرك الاهتمام؛ فكيف بابن العم؟ ولذا ظلت الرواية العراقية حتى الساعة تعاني من التهميش والإهمال؛ مع أن سارديها قطفوا جوائز عربية وعالمية مهمة جداً؛ كما أن كعب النقاد العراقيين ليس عالياً في المشهد النقدي العربي؛ إلا إذا استثنينا بعض الأسماء النقدية وهي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ وهؤلاء يعيش معظمهم في المهاجر، والمشهد السردي العراقي بعيد عنهم في واقع الحال.
ما الذي ينقص الرواية العربية لتصبح منافساً عالمياً؟
الرواية العربية أسيرة همومها الذاتية؛ وتنقصها الجرأة؛ وتفتقد إلى الصدق؛ وحبكتها مصطنعة في أغلب الأحيان؛ ولكي تدخل المنافسة مع الرواية العالمية؛ عليها أن تأتي بأفكار نيرة وشاملة بخطابها الإنساني؛ ويشعر بها المواطن الغربي مثلما يتفاعل معها المواطن العربي؛ كما أتمنى أن تكون لغتها شفافة ويمكن ترجمتها إلى اللغات الأخرى دون أن تفقد حرارتها ومعناها.