الصحافة العراقية تدفع ثمن المعلومة دما وأرواحا
في مثل هذا اليوم قبل 152 عاماً، وتحديداً في العاصمة بغداد، سجل التاريخ ظهور أول جريدة عراقية حملت اسم "الزوراء"، ليصبح فيما بعد الـ15 من يونيو/حزيران، عيداً رسمياً لـ"صاحبة الجلالة"، في بلاد تصنف ما بين الدول الأخطر في مجال العمل الصحفي.
تاريخ طويل وعتيد للكلمة الصحفية في العراق حفظ في ثناياه قصصا وأحداثا ومواقف، وجاد بأسماء وعناوين مهمة بقيت أثار أقلامها خالدة في ذاكرة قرائها ومريديها والمتتبعين لشؤونها.
يقول الصحفي، هادي جلو مرعي، رئيس مركز الحريات الصحفية، إن "السلطة الرابعة في العراق لها سفر غني بالتجربة الصحفية التي تستحق الثناء والتقدير لما أثارته من مواضيع والكثير من القضايا الجوهرية التي تلامس مصالح البلاد والعباد، فكانت المرآة العاكسة والضمير الوطني".
ويضيف مرعي، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية": "الاحتفال اليوم بعيد الصحافة العراقية قد يكون مختلفاً في طقوسه وشعائره لكوننا نزفنا الكثير من الدماء ثمنا للكلمة، والحقيقة هذا ما يجعل من الذكرى مناسبة للوقوف على تلك الانتهاكات وتقديم المطالب بالكشف عن الجناة".
وبحسب تقارير لمراكز حقوقية تعنى بالديمقراطيات والحريات، شهد العراق منذ عام 2003، وحتى منتصف العام الحالي، مقتل نحو 500 صحفي، سقطوا خلال تغطيات إخبارية لأحداث ساخنة شهدتها البلاد، فضلاً عن عمليات اغتيال منظمة يتهم فيها مليشيات مسلحة تابعة لإيران.
تلك الإعداد من الضحايا تكشف بوضوح طبيعة البيئة الصحفية في العراق، ومدى الخطورة التي تحيط بالعاملين هناك، كما يقول الصحفي والأكاديمي، علي الكاتب.
ويلفت الكاتب خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "العراق، ورغم تجاوز القرن والنصف من المسيرة الصحفية، إلا أن قواعد وأسس التعاطي مع الكلمة المقروئة من قبل السلطات وصناع القرار السياسي وأصحاب النفوذ ما تزال غير مرحب بها إذا لم تتوافق مع مصالحها".
ويتابع بالقول: "الدماء التي ذهبت ضحية لكلمة الحق وكشفت الضوء على ظلام المنحرفين، كانت نتاجاً متوقعاً لتخبط المشهد العراقي والاضطرابات المستدامة فيه بما مهد لسقوط تلك الأعداد من الصحفيين، ولا تزال شهية الاغتيالات والموت القسري تنذر بمزيد من الضحايا".
ويقترب جلو مرعي، من ذلك الرأي، إذ يقول إن "غيابات التشريعات وتضارب القوانين المنظمة لعمل الصحافة في العراق انسحبت على كل مرافق العمل الصحفي، وبالتالي كان ذلك الموت والتغييب دون مواربة أو خوف من صاحبة الجلالة".
ويشدد مرعي، على ضرورة "وجود تحركات جادة من قبل المشرع لإنهاء جدلية القوانين المنظمة للعمل الصحفي وبما يحقق بيئة آمنة تضمن وصول العاملين في ذلك القطاع إلى مصادر المعلومات دون تكلفة تصل إلى حد إزهاق الأرواح".
بأي حال عدت يا عيد
يتبادل صحفيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي التهاني بمناسبة عيد التأسيس، ولكن لم تخل عباراتهم من التذكير والمطالبة بالكشف عن قتلة الصحفيين الذين زهقت أرواحهم لا لسبب سوى قول الحقيقة.
وتعلو عبارات التهاني، دعوات موجهة إلى السلطات العراقية بمحاسبة الجناة والكشف عن الجهات التي عملت على ترويع وقتل الصحفيين، خاصة في الفترة التي ترافقت مع انطلاق تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.
وأظهرت إحصائيات، حالات عنف وتهديد وخطف طالت نحو 100 صحفي في العراق خلال الـ60 يوماً التي أعقبت التظاهرات الاحتجاجية قبل عام. فيما تتهم قوى مسلحة غير نظامية طهران في تنفيذ تلك العمليات التي يراد من خلالها تحييد القلم الصحفي عن أداء دوره المهني في نقل الحقائق وكشف التزييف.
وبحسب تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، حلَّ العراق في المرتبة 163 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، لعام 2021، متراجعًا عن المرتبة 162 خلال عام 2020، الذي تراجع بدوره عن المرتبة 156 عام 2019،
يستذكر الصحفي عثمان المختار، في تغريدة له بعض زملاء المهنة الذين غيبهم الموت خلال الأحداث التي رافقت الموجة الاحتجاجية: "نذكر السلطات بالصحفي توفيق التميمي والناشر مازن لطيف المختطفين منذ أكثر من عام من وسط بغداد على يد المليشيات المسلحة".
وكان رئيس الحكومة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، أكد خلال تهنئة تقدم بها اليوم، الثلاثاء، إلى صحفيي العراق بمناسبة عيدهم، على أهمية الإعلام والكلمة في إرساء مفاهيم العدل والديمقراطية.
وتابع الكاظمي خلال بيان لمكتبه: "نستذكر معاً الشهداء الذين سقطوا على طريق الكلمة الحرة، الكلمة مسؤولية كبرى أمام الوطن والشعب والمستقبل، فتحية لكم".
وتوالت التهاني المماثلة من قبل رئاسة الجمهورية والبرلمان وبقية من مسؤولين وقوى سياسية، إلا أن الصحفي عثمان المختار يرى أن التهاني والتبريكات من قبل حكومة وقادة الأحزاب "جزء من طقوس الكذب اليومي لا أكثر".
فيما تبدي الصحفية علا مصاول، اندهاشها من فحوى تلك التهاني التي يقدمها السياسيون العراقيون، متسائلة: "ماذا قدموا للأسرة الصحفية.. لا قانون عمل يضمن حقوق الصحفي ولا مجال للصحافة المستقلة".
وفي تغريدة أخرى امتزجت فيها السخرية والنقد، تقول الصحفية العراقية نغم التميمي: "لقد من الله علينا في هذا البلد بثلاث: حرية التعبير وحرية التفكير والمقدرة على عدم تطبيق أي منهما".
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4xNzIg جزيرة ام اند امز