الموت ثمن الحقيقة.. قوانين صدام تحكم صحفيي العراق
في بلد يحتل الصدارة في الانتهاكات التي تطال منابر الرأي ومعتنقي الأفكار الليبرالية، يستقبل صحفيو العراق ، اليوم العالمي للصحفيين.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق الثالث من مايو/أيار سنويا، يقول حسن عودة، الصحفي العراقي بأحد المواقع الإلكترونية، إن "العمل الصحفي في العراق ، مخاطرة كبيرة في ظل الأوضاع القائمة".
متحدثا لـ"العين الإخبارية"، يكشف عودة أن الكثير من زملائه في المهنة تركوا العمل في مجال الصحافة والإعلام جراء جملة من الأسباب، مما أفقد العراق كثيرا من الكفاءات ومحترفي الخبر وشاشات التلفاز.
لكنه استدرك بالقول: "لم نعرف أن ثمن الحقيقة دماء في بلد يقول إنه ذو نظام ديمقراطي".
ويلفت الصحفي العراقي الذي قضى نحو 20 عاماً في مجال تحرير الأخبار والعمل كمراسل صحفي، إلى أن "فرق الموت تطارد كل من يحاول تسليط الضوء على مكامن الفساد ويفضح مخططات المافيات التي باتت تتحكم في كل شيء في العراق".
سجل العراق
في الـ10 من ديسمبر/ كانون الأول، 2020، أطلق مسلحون مجهولون النار على أحمد عبد الصمد، المراسل الصحفي في إحدى القنوات العراقية بمحافظة البصرة، فأسقطوه قتيلاً وبرفقته المصور صفاء غالي، في حادثة اتهمت المليشيات العراقية ذات الارتباط الإيراني بالوقوف وراءها.
ويحلَّ العراق في المرتبة 163 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، حسب آخر تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود لعام 2021.
وبحسب إحصائية كشفت عنها جمعية الدفاع عن حرية الصحافة مؤخراً، فقد سجل العراق وخلال مدة عام من مايو 2020 لغاية 2021، نحو 268 انتهاكا ضد الصحفيين، تضمنت اعتداءات بالضرب وملاحقة وتهديد ومنع تأدية لمهام إعلامية.
يقول زياد العجيلي، رئيس مركز "مرصد الحريات الصحفية" في العراق، إن "العمل الصحفي في العراق محكوم بقوانين ونصوص تشريعية مضى عليها أكثر من 50 عاماً"، في إشارة إلى اللوائح التي تنظيم مؤسسات الإعلام في العراق وفقا للتشريع الصادر عام 1969.
ويوضح العجيلي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الوضع المعني بالحريات والحقوق في العراق على وجه العموم والجانب الصحفي والإعلامي بالخصوص، لا يبشر بخير في ظل تصاعد الانتهاكات والخروقات بحق الكلمة والحقيقة التي قد تجد أنك تحت مطرقة القانون جراء البحث عن مكان تواجدها".
ويتابع بالقول: "شهوة الاستبداد السياسي تقييد قوانين العمل الصحفي في العراق وأغلب القوى السياسية مستفيدة من غياب التشريعات التي تضمن حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومة".
قانون حرية التعبير
وبشأن قانون حرية التعبير الذي عرضت في منتصف العام الماضي إلى القراءة الأولى من قبل البرلمان العراقي وعاد ليختفي بعد أن أثار موجة من الجدل في الأوساط العامة بشأن بعض بنوده، يقول العجيلي: "لا فائدة من تلك التشريعات في ظل قوانين مازالت سارية المفعول منذ عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين".
ولفت رئيس مرصد الحريات الصحفية في العراق، "هنالك عبثية في إقرار القوانين المنظمة لحريات ونحن ضحايا لتلك الفوضوى.. ليس هنالك شيئاً يستحق الحديث في اليوم العالمي لحرية الصحافة".
رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر إن "هنالك العشرات من حالات الانتهاك التي تسجل بحق الصحفيين العراقيين منذ عام 2003، ولكنها تفاقمت بشكل أكبر ما بعد حركة أكتوبر 2019".
وشهد العراق في قبل نحو أكثر من عام ونصف، انتفاضة شعبية امتدت من بغداد إلى بقية محافظات وسط وجنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية، جاءت على أنقاض جملة من الانتهاكات بحق الفرد العراقي، وكذلك جراء الفساد وسيطرة قوى اللادولة على القرار السياسي .
وفي ظل احتدام المشهد الاحتجاجي الغاضب على ضياع ثروات البلاد وفقدان فرص الحياة، سقط أكثر من 600 قتيل وجرح آلالاف من المتظاهرين بنيران القوات الامنية والمليشيات، بينهم عشرات الضحايا من الصحفيين والناشطين في مجالات الرأي وحقوق الإنسان.
وخلال شهرين فقط من أواخر عام 2019 ارتفعت حصيلة العنف (قتل وتهديد وخطف) حتى طالت 100 صحفي خلال أشهر نوفمبر وديسمبر من العام ذاته، وهي الأشهر التي شهدت انطلاق الاحتجاجات الكبرى في البلاد.
الصحفيون واحتجاجات تشرين
اعتبر مراقبون أن المشهد العام ما بعد احتجاجات تشرين (أكتوبر) قد عقد أوضاع الصحفيين اكثر، وأضاف أرقاما إلى قائمة ضحايا الكلمة وباتت الاغتيالات أمراً معتاد عليه ومتكرر بين حين وأخر.
ويؤكد الصحفي علي الكاتب، الذي يعمل مراسلا إخباريا لصالح إحدى القنوات العربية في العراق، إن "الجناة مجهولون والضحايا مكشوفون أمام رصاص الموت".
ويضيف الكاتب في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "حرية الصحافة في العراق ضحية سياسية بامتياز لمصالح القوى التي تحكم المشهد في البلاد، لذا فإن أغلب الجهات التي تقف وراء مسلسل الاغتيالات في العراق لايمكن الكشف عنها أو الوصول إليها جراء ما تمتلكه من حصون مالية ولوجستية تضاهي قدرات الدولة".
وكشفت لجنة حماية الصحافيين الامريكية، في أواخر عام 2020، عن انتهاكات يواجهها صحفيو العالم، وفقاً لمؤشر "للإفلات من العقاب"، حل فيه العراق في المرتبة الثالثة بين اسوء دول العالم بعد صومال وسوريا.
وأرجعت اللجنة الأمريكية أسباب الإفلات من العقاب في العراق، إلى الفساد وضعف المؤسسات، وعدم وجود إرادة سياسية جادة لإجراء التحقيقات.