"النجف".. تاريخ من الدين والسياسة والغضب ضد إيران
أقل ما يمكن قوله عن "النجف" إنها مدينة مربكة لغة وتاريخا وسياسة، يضفي عليها كثر قدسية دينية، فيما يغلفها آخرون بهالات سياسية.
فالمدينة الواقعة جنوب غربي بغداد، والتي فتحت أبوابها لبابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، السبت، تملك تاريخا طويلا من الدين والسياسة، بل إنها كانت قبل عامين مركز الغضب ضد إيران في العراق.
والنجف هي إحدى أبرز مدن العراق ومركز محافظة تحمل نفس الاسم، ويبلغ عدد سكانها مليونا و200 ألف نسمة، وفق إحصاء عام 2011، لذلك تعتبر خامس أكبر مدينة عراقية من حيث السكان.
لكن أهمية المدينة تفوق اعتبارات الجغرافيا والديموغرافيا؛ فهي تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، ومركز للحوزة العلمية الشيعية في العراق.
بل إن تاريخها يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام، حيث كانت مركزا للأديرة المسيحية، ثم أصبحت جزءا من الكوفة عاصمة الخلافة الإسلامية في عهد علي بن أبي طالب.
ولغة يرجع اسم النجف إلى المنجوف أو المستطيل الذي لا تصل إليه المياه، وكانت تعرف بأنها السد الذي يمنع الماء أن يعلو الكوفة مقابرها. وكانت تسمى أيضا ظهر الكوفة لأنها تعلو الأخيرة بـ10 كيلومترات.
وتضم المدينة العديد من الأماكن التاريخية مثل مسجدي الكوفة والسهلة وغيرهما، واختيرت في 2012 عاصمة للثقافة الإسلامية.
وعلى مدار التاريخ، حملت المدينة 9 أسماء مختلفة أبرزها النجف وبانقيا والجودي والطور والربوة، والظهر والغري.
واليوم، زار قداسة بابا الفاتيكان المدينة في زيارة تاريخية ربما تظل في الذاكرة لسنوات قادمة.
مركز الغضب
لسنوات طويلة، كانت النجف المعقل الإيراني في العراق؛ فيها تدور تفاصيل الحكم وتشكل الحكومات وتقدم الولاءات، وتجمع الأخماس في مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي. فكانت النجف ولاية إيرانية بامتياز في نظر المرشد الإيراني علي خامنئي وقادة طهران.
بل إن النفوذ الإيراني كان يسبق الغزو الأمريكي، إذ منعت سيطرة إيران على الحوزات أن يرتقي أي من العراقيين مهما بلغت درجته العلمية إلى لقب "آية الله" ما لم تكن أصوله فارسية، وفق ما أكده السيد طالب الرفاعي في كتابه "أمالي السيد طالب الرفاعي".
وكانت تنظر إيران للمدينة باعتبارها قبلة التشيع ومركزه، وفرضت على العراقيين الشيعة مرجعياتهم، وأشرفت على المناسبات الدينية.
لكن ثورة عراقية تركزت في المدينة في 2019، مثلت ذروة الغضب العراقي من إيران، وفتحت الباب أمام تخلص النجف من الوصاية الإيرانية في المستقبل.
وكانت احتجاجات العراقيين التي كانت تطالب بالأساس بالخدمات الأساسية والإصلاح، تحولت في النجف إلى انتفاضة ضد كل ما هو إيراني، وتصدرها هتاف "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة".
بل إن المتظاهرين نجحوا في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 من السيطرة على المدينة بالكامل لساعات، وحرقوا قنصلية إيران في دلالة واضحة على تحول النجف إلى مركز الغضب ضد طهران، وإمكانية انفجار هذا الغضب أكثر وأكثر مستقبلا.
وكان البابا فرنسيس بدأ صباح اليوم، اجتماعا تاريخيا مغلقا مع المرجع الشيعي علي السيستاني في مدينة النجف.
وظهر الجمعة، وصل بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى العاصمة بغداد، في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها إلى العراق.
وتشمل زيارة البابا فرنسيس إلى العراق خمس محطات، تتوزع ما بين بغداد وذي قار والنجف وأربيل ونينوى.
وبعد زيارة النجف، يستعد قداسة البابا فرنسيس، للتوجه نحو محافظة ذي قار، لزيارة المدينة التاريخية أور، والصلاة عند بيت نبي الله إبراهيم.